وزير المالية في ورطة. عجز الموازنة ينمو. بات يهدد بالوصول الى نسب ذات انعكاسات خطرة على الاقتصاد. والسبب المباشر لهذا العجز هو ارتفاع اسعار النفط والزيادة التي فرضها ذلك على حجم الدعم الذي تقدمه الحكومة لتثبيت أسعار المحروقات.
الوزير يعرف الحل. الغاء الدعم المباشر للمشتقات النفطية وإعادة توزيعه بما يضمن وصوله إلى مستحقيه من ذوي الدخل المحدود فقط. فحسب دراسة اعدتها وزارة المالية, تنال شريحة "الفقراء" 8% فقط من الدعم الحكومي للمحروقات. أما النسبة الباقية فيستفيد منها "الأغنياء" والأجانب.
لكن هذا الحل يحتاج قراراً سياسياً. فرفع الدعم عن أسعار المحروقات قرار غير شعبي. وستدفع الحكومة كلفة سياسية عالية في ضوء الارتفاع العام للأسعار الذي انعكس سلباً على المستويات المعيشية لشرائح واسعة من المجتمع.
أجلت الحكومة قرار رفع الدعم عن المحروقات. أحجمت كذلك عن اتخاذ قرار مماثل فيما يتعلق بدعم الأعلاف الذي يسهم بشكل كبير في تضخيم عجز الموازنة رغم ثبوت وجود تشوهات عميقة في آليات توجيه هذا الدعم نحو مستحقيه.
لكن الحكومة لن تستطيع أن تماطل طويلاً. أسعار النفط العالمية بلغت حوالي 76 دولارا للبرميل. حجم الدعم الذي خصصته الموازنة للمحروقات حسب على أساس سعر 60 دولارا للبرميل. وكلما ارتفع سعر البرميل دولارا ارتفعت فاتورة الدعم الحكومي بحوالي 30 مليون دولار سنوياً. وهذا يترجم عجزاً لن تستطيع وزارة المالية التعايش معه طويلاً.
الاقتصاديون في الحكومة يرون أن المماطلة في مواجهة الحقائق الاقتصادية غير مبررة. ولكن يبدو أن هنالك آراء تقول بالتمهل في ضوء تداعيات الانتخابات البلدية التي وترت الأجواء في بعض مناطق المملكة وخشية من خلق احتقان مجتمعي قبيل الانتخابات النيابية نهاية العام.
بيد أن الواضح أن قرار رفع الدعم قادم لا محالة. والتحدي الذي سيواجه الحكومة هو الخروج بمعادلة تقنع المواطنين بأن الدعم سيظل يصل إلى مستحقيه بسلاسة واستمرارية. وهذا يعني أن على الحكومة أن تمهد لقرارها رفع الدعم ببرامج تواصل مع الناس تشرح لهم أسباب القرار وأن تتبعه باجراءات فعلية تطمئن المحتاجين أن معاناتهم لن تزداد وأن الدعم سيظل يصرف الى مستحقيه.
سيقابل قرار رفع الدعم برفض شعبي وربما توظيف سياسي من أحزابٍ معارضة. وستجد الحكومة معارضة لأي قرار لاعادة هيكلة الدعم للأعلاف رغم ان شرائح أوسع في المجتمع بدأت تتفهم أن لا مبرر لاستمرار هدر المال العام من خلال دعم المواشي بالصورة المشوهة المتبعة منذ سنوات. فلا يعقل أن تتلقى المواشي دعماً اكبر من ذلك الذي يحصل عليه المستفيدون من صندوق المعونة الوطنية.
بيد أنه لا بد مما لا بد منه. وإذا كان رفع الدعم عن المحروقات دواءً لا مهرب بديلاً عنه لحماية الاقتصاد من تبعات العجز فليكن. لكن واجب الحكومة آنذاك سيكون ضمان استمرار الدعم للشرائح المحتاجة. وبالطبع, كلما قدمت الحكومة أنموذجاً في وقف المصاريف غير الضرورية والحفاظ على المال العام من الهدر والتبذير ازدادت قابلية المواطن للتعايش مع قرارات صعبة, مثل قرار الغاء دعم المشتقات النفطية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد