دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون العالم أول من أمس إلى التزام "يوم عالمي لوقف إطلاق النار: هدنة لمدة 24 ساعة من الخوف وانعدام الأمن". لكن أحداً لم يلب الدعوة. فلا لمطلقها صدقية. ولا مفجرو الصراعات الوطنية والاقليمية والدولية معنيون بالأمم المتحدة أو بالسلام العالمي. ليس للأمم المتحدة قوة سياسية تُخشى أو سلطة أخلاقية فيؤخذ بخاطرها.
أراد بان كي مون من سكان العالم أن يلتزموا دقيقة صمت في ظهر يوم السلام العالمي الذي احتفت به الأمم المتحدة الجمعة الماضي. أهي السذاجة التي دفعته للاعتقاد بأن احداً سيستجيب لدعوته؟. قطعاً لا. هي الاعتبارات المناسباتية التي صارت حدود فعل الأمم المتحدة وأمينها.
لو كان بان كي مون مهتماً فعلاً بالسلام العالمي لاعترف بأن السلام ذهب ضحية تراجع العلاقات الدولية إلى حقبة سيادة قانون الغاب حيث السلام والأمن والاستقرار ميزة لقلة تملك القوة السياسية والاقتصادية.
كان على الأمين العام للأمم المتحدة أن يعترف أن المؤسسة التي يرأسها باتت, سياسيا, جسداً ميتاً لا أثر له في العلاقات الدولية, وصارت جسراً تستخدمه الولايات المتحدة, خصوصاً, لتغطية عدوانيتها حين تحتاج وتكسره حين لا يمتد كلياً أمامها. لا سلام دوليا لأن الامم المتحدة لا تفعل شيئاً لحمايته. قراراتها لا تطبق. شرعيتها مستباحة. وثقافتها المؤسساتية انحدرت إلى خنوع أمام القوى الرئيسة في العالم.
لا سلام في فلسطين لأن قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة مهملة منسية في أدراج البيروقراطية العظيمة التي صارتها الأمم المتحدة. إسرائيل تحتل الأرض وتستبيح الحياة وتغتصب الحقوق. والأمم المتحدة لا تجرؤ حتى على استذكار قراراتها خوفاً من سطوة واشنطن وتماهياً مع الخنوع الذي صار سمتها.
ولا سلام في العراق لأن الولايات المتحدة غزت بغداد رغم أنف الأمم المتحدة التي لم يجرؤ أمينها العام السابق حتى على الاعتراض على فعائل واشنطن.أعلن كوفي أنان موقفاً معارضاً للحرب حين أوشك على مغادرة نيويورك. وكان ذلك محاولة بائسة لتسجيل موقف أخلاقي. إلا أن هذا الموقف جاء متأخراً جداً فكان, بكل معنى الكلمة, انتهازياً لاأخلاقياً.
ولو كلف الموظف الأول في الأمم المتحدة نفسه دراسة أسباب كل الصراعات التي تحرم الأرض السلام لوجدها, بطريقة أو بأخرى, مرتبطة بظلم سياسي او اقتصادي لم تفعل الأمم المتحدة شيئاً لرفعه.
لمناسبة يوم السلام العالمي, كان على أمين عام الأمم المتحدة ان يتحدث صراحة عن أسباب غياب السلام وأن يعري السياسات والسياسيين الذين يحرمون الملايين من سكان الأرض حقهم السلام والأمن والحياة.
لو فعل ذلك لحظيت دعوته, في الحد الادنى, باحترام الناس. أما تقمصه دور الواعظ الذي يطلب وقفة صمت حزناً على سلام كان عجز الأمم المتحدة شريكاً في إضاعته, فهو استهتار بعقول البشر وأوجاعهم.
لايستطيع أمين عام الأمم المتحدة تحرير المنظمة الدولية من استعمار الكبار. لكن عجزه هذا لا يبرر ادعاء دور لا يستحقه نصيراً لسلام عالمي لا تفعل منظمته الحد الأدنى لنصرته أو إدانة من يحول دونه.
ولو وظفت الأمم المتحدة الملايين التي تضيعها على اجتماعات سياسية عقيمة وبيروقراطية أكثر عقماً في مكافحة آفة في بلد ومجاعة في آخر لأسهمت في استعادة جزء من السلام العالمي الذي تنعاه قولاً ولا تحرك, فعلاً, لحمايته ساكناً.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد