حققت قوى 14 آذار أغلبية حاسمة (71 مقعدا مقابل 57 مقعدا) أي بفارق 14
مقعدا تعتبر في أية ديمقراطية غربية تفويضا كاملا وصريحا للأغلبية لتحكم بصورة مريحة حتّى الانتخابات التالية، لكن ليس كذلك هو الوضع في لبنان، ويعود ذلك اساسا الى أن الحكومة يجب أن تمثل جميع الطوائف وتمثيل الطائفة الشيعية محصور في تحالف أمل وحزب الله، فاذا استنكفا غاب تمثيل تلك الطائفة. ولا تعدم الأغلبية وجود شخصيات شيعية تشارك لكن حزب الله سيعتبر ذلك تجاوزا للخطوط الحمر يبرر له استخدام القوّة، فيبقى التوافق. ومساء أمس سيكون نصرالله قد خطب معلنا موقفه بعد الانتخابات والسؤال الذي
سيعود مجددا هو هلّ سيصرّ على الثلث المعطّل الشهير مجددا؟
تحالف 14 آذار كان قد كسب الانتخابات الماضية 2005، وحزب الله الذي كان في حقبة الوجود السوري حركة مقاومة غير مهتمّة بالمشاركة الوزارية أصبحت مشاركته قضيّة سياسية مركزية، فقد انسحب وزراء الحزب عندما أقرت الحكومة المحكمة الدولية واعتبارها فاقدة للشرعية ثم تتالى مسلسل المقاطعة والتعطيل والشلل، وأغلق نبيه برّي مجلس النواب ولم يعد ممكنا اقرار التشريعات. ولاحقا بعد انتهاء ولاية لحّود لم يعد ممكنا انتخاب رئيس
جمهورية جديد فدخلت البلاد في مأزق شرعية خطير. ولم يكف ذلك فانتقل الحزب وحلفاؤه الى التعطيل الميداني بالاعتصام المفتوح وسط العاصمة بعد حرب تموز وتوجت الأزمة باجتياح بيروت من قوات الحزب فباتت البلاد على حافّة الحرب الأهلية، فجاء التدخل العربي ومؤتمر الدوحة الذي استسلمت فيه الأغلبية لشروط المعارضة بالحصول على الثلث المعطّل في الحكومة وانتخاب رئيس جمهورية توافقي وعقد انتخابات نيابية جديدة وفق قانون جديد للانتخاب (العودة الى القضاء كدائرة انتخابية وتقسيم معين لبيروت مما
اعتقدت المعارضة انه يناسبها). وفي الجوهر فالاتفاق أحال الى انتخابات نيابية جديدة أن تحسم الموقف، وكان هناك اعتقاد فعلي في اوساط المعارضة انها ستكسب الانتخابات المقبلة. أمّا استطلاعات الرأي فكانت تشير الى توازن دقيق واحتمال التساوي أو رجحان احد الطرفين بفارق محدود جدا.
ساعد الطرفان على ان اجراء انتخابات نزيهة وشفّافة لم يشتك أحد تقريبا من أي تجاوزات فيها وكانت النتيجة أن الصناديق اعطت تحالف 14 آذار اغلبية حاسمة فاقت التوقعات وهي كما قلنا تشكل في اي ديمقراطية غربية تفويضا غير قابل للنقاش بالحكم! فما الذي سيحصل الآن؟
لن يكون هناك أي منطق في اعادة السيناريو القديم نفسه، فالمعارضة كانت تبرر شلّ الدولة والمؤسسات بأن قوى 14 آذار فاقدة لأغلبيتها الشعبية، وتمثيلها البرلماني لا يعكس حقيقة تمثيلها في الشارع . والآن قالت الصناديق كلمتها، ولو حقق تحالف 8 آذار أغلبية فهل يقبل الفيتو على القرار من الأقلية؟ نعم لبنان محكوم بالتوافق، لكن الأقلية ملزمة بالتوافق الذي لا يعطّل الحكم أو يجعله مستحيلا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد