في المملكة جامعات لم تحدّث مواقعها الإلكترونية منذ العام 2000. وفي جميع جامعات البلد، حسب دراسة أكاديمية، يبلغ معدل استعارة طالب الجامعة كتبا من المكتبة 0.1 كتاب في الفصل الدراسي. يعني ذلك أنه، حسابيا، يمضي الطالب عشرة فصول حتى يستعير كتابا واحدا من مكتبة الجامعة.
وفي جوار الجامعات تنتشر "دكاكين" تبيع الطلبة أبحاثا جاهزة فيتمكن الكثيرون منهم من التخرّج من دون كتابة بحث واحد. ويشير مصدر أكاديمي موثوق إلى ثبوت وجود حالات تمكنت فيها هذه "الدكاكين" من شراء أسئلة امتحانات جامعية وبيعها للطلبة.
ولأن الكثير من مؤسسات التعليم العالي صارت شركات تبحث عن الربح بأي ثمن، يكاد معدل "مقبول" يتلاشى في عديد جامعات بعد أن منع القانون الطالب الذي يقل معدله عن "جيد" في شهادة البكالوريوس من إكمال دراسته العليا. ووجدت بعض الجامعات في هذا فرصة فبدأت ترفع علامات طلبة البكالوريوس إلى درجة "جيد" لتستقطب طلبة أكثر، ما يعني ربحا أعلى، عبر التحايل على القانون.
 رغم ذلك لا تصمت الأصوات التي تتشدق بإنجازات مؤسسات التعليم العالي من دون الاعتراف بأن الجامعات آخذة في الانهيار تحت وطأة تدني الموارد والاكتظاظ وتراجع مؤهلات الكوادر الأكاديمية وتجذر سياسات الاسترضاء وتوغل الفساد وغياب أدوات الرقابة الفاعلة التي تضمن التزام مصانع طاقات المستقبل البشرية معايير إنتاج صحيحة.
وكأن التضييق الفكري على الجامعات التي استحالت مدارس رديئة تحاصر آفاق التفكير والإبداع أمام طلبتها ليس كافيا، ها هو الترهل البيروقراطي والجشع المادي يدفعان المعاهد التعليمية إلى قيعان أعمق من الضعف والضياع.
 وبدلا من أن تعالج الجامعات تدني المستوى التعليمي في المدارس الحكومية، والخاصة في كثير من الأحيان أيضا، صار معظمها ينافس المدارس في إنتاج مخرجات تعليمية ضعيفة غير مؤهلة ولا تملك الحدود الدنيا من مستويات المعرفة التي تؤهلها لحمل الشهادات التي يكتظ بها البلد.
 العملية التعليمية في البلد في تراجع يهدد مستقبلها. وهذا تراجع لا تغطيه ادعاءات بالإنجاز تحملها حذلقات لغوية تفتخر بوصل مدارس لا كهرباء ولا مرافق صحية ولا تدفئة ولا معلمين فيها بشبكات الألياف الضوئية وبارتفاع أعداد طلبة الجامعات وخريجيها.
ثمة تزييف للحقائق حول مستوى العملية التعليمية وإخفاء للتدهور فيها خطيران. ولن يبدأ حل هذه المشكلة قبل الاعتراف بالواقع الذي بات قاتما لدرجة تنبئ بتدهور في أداء جميع مؤسسات الدولة.
تراجع التعليم في المدارس تخفيه سياسات عرفية في تصلبها تمنع الصحافة ومنظمات المجتمع المدني من دخول مدرسة أو التحدث إلى مدرس. والتدهور في الجامعات تحميه تحالفات سياسية تجارية نجحت حتى في إحباط امتحان كفاءة سيستطيع، لو نفّذ كما يجب، أن يعطي الناس على الأقل خياراً في الجامعة التي يرسلون أبناءهم إليها عبر تصنيف مستوى الجامعات وفقا لأدائها.
 والنتيجة كارثة تتفاقم ولا تجد من يوقفها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد