يعيش معظم الأردنيين حال ندم عقاري. الكلام للصديق الشاعر الأردني المغترب أمجد ناصر، الذي يعتقد أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأراضي والعقارات أسر عشرات الألوف من المواطنين في ندم على فرص ضائعة يظنون أنها كانت ستدفن فقرهم وتدخلهم عالم العيش الرغيد.
لكن مرد هذا الندم هو حبكات خيالية نسجتها مشاعر إحباط تبريراً لعجز اقتصادي يتفاقم. ذاك أن فرص الإفادة من تضاعف أسعار العقارات لم تكن متاحة الا لبعض امتلك المال أساساً. فالذي يتحسر الآن على عدم شراء قطعة أرض قفز ثمنها من 50 ألف دينار قبل سنوات الى ربع مليون دينار الآن لم يكن أصلاً قادراً على شراء هذه الأرض. والندم، تالياً، على عدم اغتنام فرصة الشراء "وقت الرخص" محض تمنٍ يعتمده مهرباً من الاستسلام لراهن قاس.
 ستنضم الحكومة قريباً الى صفوف النادمين. لكن ندمها سيكون "سياسياً" لا عقارياً. والفرق بين الندمين أن الأول مفهوم لأنه سيكون تعبيراً عن فرصة حقيقية ضاعت. والفرصة الضائعة هي تحقيق إصلاح حقيقي كان سيحول دون انتخاب مجلس نواب جديد يخلو من الرؤى السياسية وشروط العمل المؤسساتي.
 فبعكس ضحايا الندم العقاري، امتلكت الحكومة قدرة إحداث إصلاحات تشريعية وسياسية هي شرط تكوّن بيئة سياسية تنهي احتكار الأفراد للبرلمان وتسمح بتطور تكتلات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني ترتقي بالعمل العام الى مرحلة المشاركة السياسية البرامجية المؤثرة.
ولا حاجة لانتظار نتائج الانتخابات للتكهن بحجم الندم الذي سيعم حين يلتئم مجلس النواب الخامس عشر. سيتكون المجلس، في غالبيته، من أفراد أنتجتهم قواعد مناطقية أو عشائرية أو عائلاتية أو وصلوا الى السلطة التشريعية اعتماداً على قدرات مالية. وسيكون معظم هؤلاء استمراراً لكثيرين سبقوهم ممن طرأوا على العمل العام فقزموه وضيقوا آفاقه.
وحينذاك ستبدأ الحكومة، قبل المجتمع، تتذمر من ضعف السلطة التشريعية وخواء المجلس من آليات عمل جماعية مؤسساتية قادرة على الإسهام في معالجة قضايا البلد. ستقول إن مجلس النواب عائق أمام الإصلاح. وستحمل مجلس النواب مسؤولية ابقاء الحداثة تنتظر خارج أبواب البلد.
 فالنواب سيكونون مرتهنين لقواعدهم. وسيمضون معظم أوقاتهم يسعون عند الحكومة بحثاً عن وظيفة أو خدمة، خلا محطات رئيسة مثل جلستي الثقة وإقرار الموازنة التي ترتفع فيهما الشعارات والمطالبات التي تستهدف الشعبوية وإثبات الذات عبر تقمص صورة الضد للحكومة أو الناقد لها.
 وستندم الحكومة وقتذاك. لكنها لن تجد من يتعاطف معها. فحصادها هو جني ما زرعت يداها. امتلكت السلطة التنفيذية كل إمكانيات تجنب السقوط في كآبة الندم السياسي وحماية البلد من تبعات أداء سلطة تشريعية ضعيفة. لكن الغائب كان الرؤية والإرادة. والنتيجة ندم لن ينفع الا إذا صار عبرة يُترجم الاتعاظ منها إطلاقاً لبرنامج إصلاح حقيقي يمهد لانتخاب برلمان أفضل حالاً في العام 2011.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد