مبادرة جلالة الملك التبرع لصندوق إسكان المعلمين وافتتاحه نادي المعلمين في الزرقاء يوم الأحد الماضي يحملان دلالات يجب أن يلتقطها الرسميون الذين يضعون الخطط الاستراتيجية للدولة. وأهم هذه الدلالات أن النهوض بقطاع التعليم أولوية تستدعي اتخاذ خطوات حقيقية لتلبيتها.
فالتعليم اساس التنمية. ولا نهضة ولا استنارة ولا تقدم إن ظل أداء قطاع التعليم يتراجع بالصورة المخيفة التي ظهرت نتائجها تخريج أجيالٍ من الأميين بعد 12 عاماً على مقاعد الدرس وأحياناً أربعة أخرى في الجامعات.
ولا يمكن احداث النقلة النوعية المطلوبة في قطاع التعليم من دون معلمين مؤهلين وكفؤين ومقتنعين بعدالة الظروف التي يعملون بها لناحية المداخيل وفرص التدريب وإمكانيات التقدّم وظيفياً.
وهذه شروط كلها غائبة. الألوف من المعلمين انتقلوا من الجامعات خريجين جدداً الى الغرف الصفية من دون المرور بدورة تدريبية واحدة. الرواتب التي يتقاضاها المعلمون متدنية وتفرض عليهم العيش تحت خط الفقر. ولا توجد هناك حوافز كافية تطمئن المعلم الى ان جهده سيكافأ ترقيةً وتقدماً في مستقبله المهني.
النتيجة أن عشرات الألوف من الطلبة يتعلمون على أيدي معلمين غير مؤهلين أو محبطين أو غاضبين. والمعلم غير الكفء لا يستطيع أن يعلم. والمدرس المحبط ينقل احباطه الى طلبته فيعلمهم اليأس بدل الأمل. والمدرس الذي تمكّنه الغضب يربي طلبته على الرفضوية ويقمع فيهم النزعة الفطرية نحو الابداع والتفكير.
اكثر من دراسة أشارت الى تراجع التعليم في المدارس. وحذرت دراسات أخرى أن الوضع ليس أفضل حالاً في عديد جامعات أصبحت رهينة الجشع فكسرت كل المعايير وأصبحت الشهادات سلعةً تباع مقابل ثمن مادي. لكن ليس هنالك من أي مؤشر أن الوضع الى تحسن.
الانصاف يستدعي التأكيد أن تحسين أداء قطاع التعليم الذي يواجه ضغوطاً متنامية جراء زيادة الطلب وعدم توفر المخصصات ليس بيد وزارة التربية والتعليم منفردة. المسؤولية أساساً تقع على عاتق الحكومة التي عليها أن توفر المخصصات اللازمة لتلبية شروط ادارة عملية تعليمية ناجحة. وتماما كما اشرك جلالة الملك القطاع الخاص في تمويل صندوق اسكان المعلمين، بإمكان الحكومة ان تغير القوانين لتجد الآليات التي تسمح للقطاع الخاص بالاسهام في انقاذ العملية التعليمية عبر برامج تتيح تبني مدرسة او مجموعة مدارس والتكفل باحتياجاتها. فالقانون الحالي يمنع ذلك. وهذا منع غير مفهوم وغير مبرر.
ورغم كل ما قيل عن عملية الاصلاح التربوي، الثابت ان مستوى التعليم يتراجع. وهذا خطر يهدد المجتمع برمته. وآن وقت إجراء تقويم علمي مستقل للعملية التعليمية واسباب تراجعها تمهيدا لإطلاق برنامج واضح لإصلاحها.
لكن لا حاجة لدراسات جديدة لتأكيد تدهور اوضاع المعلمين وانعكاسات ذلك الخطيرة على أدائهم. فقد ولّت ايام "كاد" فيها "المعلم ان يكون رسولاً". وأولى خطوات انقاذ اجيال المستقبل من التجهيل الذي يتعرضون له في المدارس والجامعات هو ضمان ان لا يكون المعلم فقيراً، مادياً وتأهيلياً.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد