حادث كل خمس دقائق. جريح كل 29 دقيقة. قتيل دون الثامنة عشرة كل 35 ساعة. 989 قتيلا في حوادث السير العام الماضي. 
مأساة وطنية تتكرر كل يوم. كارثة لم يلتفت لها المجتمع خلا في وقفات تفرضها الفواجع. جريمة يرتكبها الأردن بحق نفسه. تتفجر العواطف حزنا وإدانات ومطالبات بحماية الناس من الموت المتربص على الطرقات عند كل فاجعة. لكنها تخبو بالسرعة ذاتها التي تنطلق فيها "فزعة" عاطفية لا اثر دائما لها.
كفى.
حوادث السير أزمة وطنية. وهي أزمة ستظل تحصد أرواح الأردنيين إن لم تعالج بحزم لا يلين أمام واسطة أو جاهة. الأسباب التي جعلت طرقات المملكة ساحات موت معروفة وموثقة. وأي تحرك لا يعالج كل هذه الأسباب سيفشل.
تقول الدراسات إن الأخطاء البشرية مسؤولة عن العدد الأكبر من الحوادث. الأخطاء البشرية تلك تشمل التهور والسرعة وخرق القانون وقيادة مركبات بالية. حملة توعوية شاملة مستدامة ستسهم في خلق ثقافة مرورية تحترم حق الناس في شوارع آمنة. لكن التوعية وحدها لا تكفي ولن تغير السلوكيات المرورية الخاطئة بالسرعة التي يستدعيها حجم الكارثة.
ثمة حاجة لإجراءات قانونية ومجتمعية تفرض تغيرا فوريا في كيفية التعامل مع حوادث السير. على الحكومة أن تغير القوانين المرتبطة بتنظيم السير ومحاسبة مخترقيه. وعلى المجتمع أن يصير أقل تسامحا مع الذين يتسببون بإيذاء الأبرياء بتهورهم واستهتارهم.
فثمة فرق بين الذي يتسبب بحادث سير لأسباب خارجة عن إرادته وبين الذي يقود مركبته بطيش ومن دون احترام لحدود سرعة أو شروط القيادة الآمنة. الأخير إن تسبب بموت قاتل من دون قصد وإن ألحق أذى بالناس أو بممتلكاتهم مسؤول قانونيا وأخلاقيا عن أذاه. وهذا لا يستحق عفوا ولا يجوز أن ينجو من العقاب عبر الأنماط الاجتماعية التي تسيء استخدام الأعراف والتقاليد.
ولا يكفي أن تعدل الحكومة قانون السير وتغلظ عقوبات مخالفيه. عليها أن تضمن تنفيذ القانون وأن تجرم أي مسؤول أو موظف يتهاون في تطبيقه. وآن وقت إعادة تعريف شرطة السير لأولوياتها. التركيز يجب أن يكون على المخالفات التي تؤذي وتقتل. وترخيص المركبات غير الصالحة للسير على الطرقات يجب أن يتوقف.
ولا يكفي أيضا أن تضع الحكومة مخصصات لبناء الطرق وتأهيلها. عليها أن تزيد هذه المخصصات وتنفقها. فسوء حال الطرق سبب رئيس في الحوادث. يجب أن تلبي الشوارع شروط السلامة ويجب أن يكون في الداخلية منها ممرات مشاة آمنة ومحددة يعاقب كل من لا يلتزم شروط التعامل معها، سائقا كان أم سائرا.
أما المجتمع فمطلوب منه أن يكف عن التسامح مع الذين يتسسببون بالحوادث جراء خرق القانون والقيادة من دون مسؤولية. ليترك هؤلاء للقانون يحاكمهم. إذ ذاك يدرك كل سائق أنه سيدفع ثمن تهوره. وطبائع البشر أن الناس يحذرون حين يعرفون أن لتصرفاتهم عواقبَ.
ولكن حتى في حالات إسقاط الحق الشخصي لمواطنين تأذوا في حوادث السير، يجب أن تكون عقوبة الاعتداء على الحق العام صارمة. وهذا شرط يجب أن تضمنه الحكومة عبر تعديلات تشريعية لا تسقط عقوبات الحق العام أو تخففها في قضايا السير المرتبطة بحوادث سببها خرق القانون.
لا مبرر للتأخر في إنتاج الإجراءات الكفيلة بإعادة الأمان إلى طرقات البلد. كارثية المشهد المروري تجعل من استمرار التراخي في التصدي للأزمة إسهاما في تفشيها. والموت الذي فجع البلد في الأيام الماضية صدمة لا يجوز أن تمر من دون اتعاظ يطلق مشروعا متكاملا لرفع خطر الموت عن طرقات المملكة. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد