يفترض أن تكون الحكومة تعلمت درسا من الزوبعة التي رافقت "إشاعات" بيع أراض وصروح تشمل ميناء العقبة ومدينة الحسين الطبية. وقد تكون تصريحات وزير العمل باسم السالم المتأخرة حول الموضوع مؤشرا على أن المؤسسات الرسمية اتعظت من الضربة التي تعرضت لها صدقيتها ثمنا لغياب الشفافية في إدارة الشأن العام.
فقضية بيع الأراضي سيطرت على السجال العام لأسابيع. وأدى غياب المعلومات إلى انتشار الإشاعات التي شككت بنزاهة الحكومة وسلامة أدوات عملها واتهمتها بعدم التزام القانون في إدارة المال العام. ونخرت تلك الإشاعات في ثقة الناس المتآكلة أصلا بمؤسسة الحكومة إضافة إلى أنها وفرت سلاحا جديدا لخصوم سياسيين وجدوا في بيئة الشك هذه أرضا خصبة لتوجيه سهام الطعن إليها.
ولأن الحكومة لم تقم بواجبها إطلاع الناس على تفاصيل توجهها في قضية بيع الأراضي، امتلأ الفراغ المعلوماتي بآراء ونظريات لا علاقة لها بجدوى عمليات البيع أو عدمها.
وتلك خطيئة تتحمل الحكومة مسؤوليتها. فالمفترض أن المؤسسات الرسمية تدرك أهمية الصروح التي قيل إنها بيعت عند الأردنيين. ويفترض أن الحكومة تعرف أيضا أن ثقة الناس بها متدنية، ما يجعل التشكيك بها أمرا سهلا، بل ردة فعل طبيعية على أي قرار تتخذه من دون توضيحه للناس.
وقبل هذا وذاك تعرف الحكومة أن لها خصوما سياسيين يستغلون فجوة الثقة هذه للترويج لمواقفهم وادعاء البطولة في حماية مصالح المواطنين من "فساد" الحكومة. فالذي يدعي بهتانا أن الأردن على وشك الانفجار لأن الأسعار في الأردن ارتفعت كما في بقية العالم لن يتوان عن الترويج "بأن كل شيء في الأردن للبيع" في ضوء أحاديث عن صفقات حول بيع الحكومة بالسر صروحا وطنية مثل المدينة الطبية. وهذه حقيقة لا يجوز أن تغيب عن الحكومة، خصوصا في هذه الأوقات الصعبة حيث ينتشر الإحباط الذي يسهل معه التلاعب بمشاعر الناس وتهييج عواطفهم.
سؤال المليون دينار هو لماذا تضع الحكومة نفسها في مثل هذا الموقف؟ وبغض النظر عن الإجابة، يؤمل أن تكون تصريحات السالم بداية تغير في آليات تعامل الحكومة مع الرأي العام، لا خطوة ظرفية جاءت جزءا من حراك آني لاحتواء الأزمة.
فالأردن يعاني صعوبات اقتصادية ويواجه ظروفا إقليمية حرجة. وذاك يستدعي إشعار المواطن أنه شريك في اتخاذ القرار حول كيفية التعامل مع هذه الصعوبات شرطا لأن يقبل تحمل إرهاصاتها. ففي عصر ما بعد الثورة المعلوماتية، تشكل الصراحة والشفافية خير نصير للحكومة في مهمتها إدارة شؤون الناس وسلاحا لا تستطيع أن تكسب ثقة المواطنين ودعمهم من دونه.
إن انفتحت الحكومة على الناس والتزمت المؤسساتية سبيل عمل ثابتا احترموا قراراتها وتفهموها حتى لو كانت صعبة. أما إذا أبقت المؤسسات الحكومية المواطنين في الظلام حول سياساتها وعملت خارج المؤسسات الدستورية المحكومة قراراتها بالقوانين والخاضعة إجراءاتها للمساءلة والمراجعة، فإنها ستجد نفسها هدفا للاتهامات المبررة وغير المبررة.
على الحكومة أن تتبع تصريحات السالم بتفاصيل كاملة حول عمليات البيع وأن تمرر هذه العمليات عبر القنوات القانونية. والمنطق أقوى من أي حملات تشكيك. فلا أحد سيعترض، على سبيل المثال، على بيع المدينة الطبية إذا اطمأن المواطنون أن في عملية البيع مصلحة للأردن. وتلك طمأنينة لن تتوفر إلا من خلال توفير كل المعلومات ودراسات الجدوى الاقتصادية التي تثبت نجاعة المشروع، إضافة إلى تأكيد قرار بناء مرفق بديل يضمن عدم حرمان المواطنين من الخدمات التي باتت حقوقا لهم يقدمها هذا الصرح الوطني.
لكن الإشاعات ستكثر وحملات التشكيك ستتوالد بحسن نية وبسوء نية إذا كان هنالك فراغ معلوماتي يحول دون نقاش علمي عقلاني لعملية البيع ويفتح الباب واسعا أمام سهام الطعن والتشكيك.
ومن يدري، فقد يكون الدرس هذه المرة قاسيا لدرجة تجعل الحكومة تعيد النظر بسياساتها الإعلامية وتعتمد الانفتاح والتواصل آلية عمل دائمة. فالشفافية جسر يبني الثقة مع الناس. أما الفوقية وغياب التواصل فيبنيان فجوة يصعب ردمها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد