حديث جلالة الملك عبدالله الثاني الذي بثته وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الثلاثاء الماضي أوضح من أن يفسر. لكنه أهم من أن يمر من دون متابعات. فالحديث جاء غير مسبوق؛ لناحية حدته وصراحته، ومحاكاته للتفاصيل. لذلك يجب أن يكون أثره غير مسبوق أيضا، ليس فقط لجهة معالجة عديد اختلالات نبه لها، بل أساسا لمواجهة الظروف التي دفعت الملك إلى الخروج عن المألوف.
سارع بعض إلى اعتبار كلام الملك ثورة غضب فجرتها ممارسات غير مسؤولة لأشخاص تجاوزوا في رفضويتهم الحدود التي تسمح بها مصلحة البلد. وسعى آخرون إلى الاختباء وراءه والتسلح به لتكميم أفواه تنتقد، وكبح صحافة تكشف مواطن الخلل. وفي هذا توظيف غير مقبول لرسالة واضح أن الملك أرادها صدمة تطلق عملية إعادة تقويم تعالج الخلل في المؤسسة الرسمية قبل أن توقف ممارسات مغلوطة خارجها.
ذاك أن المؤسسات الرسمية مسؤولة قبل غيرها عن دفع المشهد العام إلى قيعان التشكيك والضبابية وانعدام الثقة في العلاقة بينها وبين المواطنين. وهي التي فشلت في انتهاج قول عقلاني مقنع تغيب معه الحاجة لتدخل الملك لمخاطبة هواجس الناس. وفي المؤسسات الرسمية بعض ارتكب ممارسات مغلوطة استدعت ردود فعل غاضبة ووفرت ذخيرة لقلة تتربص بالبلد. وخلق تعالي رسميين عن التحدث إلى المواطنين فراغا معلوماتيا سمح بانتشار الإشاعات داءً ينهش لحمة المملكة.
فالإشاعة وليدة الفراغ. وملء الفراغ المعلوماتي حول الشأن العام مسؤولية من يشغلون المواقع العامة. ما كانت الإشاعات حول قضية الكازينو لتحاصر صدقية مؤسسة الحكومة لو أن مسؤولا احترم حق المواطنين بالمعرفة وأوضح الصورة. وما كانت قضية الأراضي لتتفاقم وتوظف ضد الدولة لو أن المؤسسة الرسمية شرحت واقع الحال ووفرت المعلومات التي يطلبها الناس.
وفي السياق ذاته، فإن صراع مراكز القوى الذي تمثل محاولة نكرانه حرثا في الماء هو الذي أضاع هيبة بعض المؤسسات الرسمية وسبب تراجع الثقة بها. ليس المواطنون من أطلقوا هذا الصراع وليست الصحافة من خلقته. هم فقط تحدثوا عنه بعد أن صار التقاتل على الصلاحيات وتجاوز قنوات العمل الرسمية المحكومة بالقانون والمحددة بالدستور حقيقة تعيق وتغضب وتشتت جهود البناء والتطوير.
والحقيقة الثابتة أيضا أن وراء كل صحافي مستأجر شخص أو مؤسسة تستأجره. وكثير من الصحافيين الذين يروجون الإشاعات ويكرسون الرفضوية يعملون لصالح مسؤولين يشترون أقلامهم ويوظفونهم في معارك مصالحية تتضرر من تداعياتها البلد. والمؤسف أن عديد رسميين يرى إلى نقد الأداء الإعلامي غير المهني مدخلا لمحاربة الصحافة الحرة التي تنتقد سوء الأداء لا دعوة لوقف توظيف المال العام والموقع الرسمي لاستئجار "صحافيين" لخوض معارك سلطة ساذجة. وإذا شاءت الحكومة أن تتحقق من ذلك فلتفتح ملف الإعلاميين غير المهنيين لتجد أن معظم هؤلاء ودكاكينهم تمول من المال العام وتغذى ماديا وإشاعاتيا من قبل رسميين. المشكلة الأكبر ليست في الصحافة. المشكلة في المؤسسة الرسمية التي يدعم بعض من فيها الإعلام غير المهني لخدمة مصالحه.
واجب المؤسسة الرسمية الآن بعد أن خرج الملك عن المألوف لمعالجة فشلها أن تطلق حراكا لا يتوقف لتغيير الظروف التي استدعت تدخل الملك لوقف التدهور. وستفعل المؤسسة الرسمية خيرا، وستنجح، إن بدأت في إصلاح ذاتها. بعد ذاك يهون كل شيء، وسيقف كل الشعب حينها إلى جانب المؤسسات الرسمية في مواجهة المشككين والرفضويين والمتربصين بالأردن يغتالون إنجازه ويبشعون جماله. فمن غير المقبول أن  يضطر الملك للتدخل لحماية البلد من تبعات قصور أداء المؤسسات الرسمية أو أن يحاول أحد أن يختبئ وراء الملك لتغطية قصوره. مواطن الخلل معروفة وكذلك سبل معالجتها. والكرة بملعب المؤسسة الرسمية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد