نجح مؤتمر فتح ونشهد إعادة إنتاجها حزبا سياسيا ديمقراطيا وحركة مناضلة بعد أن وصلت قاع التدهور، ومنيت بهزائم مذلّة.
بخسارة الانتخابات العام 2006، وخسارة الحكومة وخسارة غزّة، ووجود منافس مقتدر مثل حماس فقدت فتح التعنت السلطوي وتواضعت وتغيرت نظرة كوادرها وقياداتها لنفسها وللواقع. وتتعرف فتح على نفسها أكثر بخطاب وطني وديمقراطي وتنويري، ولعل التحول الى نظام التمثيل النسبي الانتخابي المقترح للسلطة، ولجميع مؤسسات منظمة التحرير، يمثل احد مظاهر التواضع والتعددية والتقدمية.
كانت الاجتياحات الاسرائيلية في الضفّة وانتصار حماس في غزّة، قدّ دمّر اقطاعيات السطوة المالية والعسكرية، والآن فإن أناسا، مثل جبريل رجوب ومحمد دحلان، مجردين من أدوات السلطة القديمة يأتون منتخبين الى اللجنة المركزية لحركة فتح فقط كقيادات سياسية حزبية من خلال الثقة التي حظيوا بها الى جانب غيرهم.
وكان عبّاس قد فعل حسنا بأن فصل فتح عن الحكومة الى حين، وقد احتاجت فتح ذلك لتعيد ترتيب أمورها كتنظيم سياسي في ظلّ الخصوصية المعقدّة للواقع الفلسطيني والتزاوج بين مهمّات البناء والتحرر الوطني، وقد عكس برنامج الحركة والنقاط التي اقرّها المؤتمر هذه المزاوجة، وأمام الحركة تحدّ كبير في اشتقاق التعبير العملي لمعنى "المقاومة"، التي اعلن المؤتمر تمسكه بها كحق كفلته الشرعية الدولية، وسيكون هذا التحدّي أشدّ إلحاحاً مع استمرار التعنت الاسرائيلي ووجود اليمين المتطرف في الحكم، ويتوجب ايجاد المعادلة السحرية للمزاوجة بين المقاومة "بكل اشكالها" للاحتلال والتواجد في السلطة الحكومية.
تمكن المؤتمر، فيما يشبه المعجزة، من السير قدما وانتخاب لجنة مركزية من 18 عضوا لم يعد فيها من اللجنة القديمة سوى خمسة اشخاص والآخرون بين خاسر أو لم يرشح نفسه (سيضاف بالتعيين 3 اعضاء)، وهذا التجديد الواسع اعطى المعنى كاملا لعملية التغيير والتجديد وايضا للديمقراطية حيث نافس أكثر من تسعين مرشحا لعضوية القيادة، ووجد الرجل الثاني بعد عبّاس أي أحمد قريع أبو علاء نفسه متخلفا بفارق صوت واحد عن آخر الناجحين يليه الطيب عبدالرحيم (لم تعلن النتائج النهائية حتى ساعة كتابة هذا المقال)، والجدد ليسوا جددا بالمعنى الحرفي فهم كوادر عريقة في التنظيم ويمثلون الجيل الثاني في فتح مثل قيادات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في السبعينيات، وبعض القيادات الصاعدة في الداخل.
وهناك تنويع بين قيادات ذات تاريخ أمني وأخرى ذات تاريخ سياسي ومستوى اكاديمي وثقافي كانوا يديرون المفاوضات والعلاقات الدولية، مثل د. نبيل شعث ود. صائب عريقات، ومن داخل كواليس المؤتمر يمكن أن تجد ملاحظات انتقادية وعدم رضا واتهامات ومرارات لكنها لا تغير في الصورة الاجمالية، وهي النجاح والوعد بانطلاقة جديدة تنعكس ايجابيا على عموم النضال الفلسطيني.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد