يحق لنا في الأردن ان نفاخر ونتباهى بمناخات التسامح الديني والعيش المشترك الذي ينعم به الأردنيون، حتى اصبحنا مثالاً يشار إليه بالبنان في المحافل الدينية والدولية، وآخرها ما صدر عن الفاتيكان مؤخراً بعد اجتماع اساقفة الشرق الاوسط، حين اشار البيان الصادر عنهم الى الاردن (وسورية) كبلد خال من الاضطهاد الديني، وكمثال للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.
شهادة نعتز بها ونحن نراقب ما يجري حولنا من ممارسات رسمية وشعبية واعمال قتل وتدمير للمساجد والكنائس في دول كمصر والعراق ولبنان، حيث ينهش غول الطائفية البغيضة جسد الدولة والمجتمع، وحيث اصبحت الطائفية محراك الشر والقتل والعصبية البغيضة، وركنا أساسياً في السياسة وسلوك الجماعات والافراد.
لماذا شكل الأردن هذه الحالة الحضارية الراقية في العيش المشترك بين اتباع الديانتين الاسلامية والمسيحية؟ الجواب بسيط، هو تحقيق العدالة والمساواة بين ابناء الشعب العربي الاردني الواحد. عدالة آمن بها الهاشميون ومارسوها منذ تأسيس الامارة وحتى يومنا بالقول والفعل. فالحريات الدينية مصانة ويكفلها الدستور والقوانين. وفي التطبيق، سعت القيادات الهاشمية منذ الملك عبدالله الاول، للحرص على التعامل مع المسيحيين باعتبارهم مكونا رئيسا في النسيج الاجتماعي الاردني، حقوقهم التمثيلية الرمزية - لا أقول السياسية-حاضرة في التمثيل النيابي وفي الحكومات وكل الهيئات الوطنية التي تشكل للشأن العام.
هذه السياسات الحكيمة التي عمل على هديها ملوك الاردن، والمستندة الى العدالة والمساواة بين ابناء الشعب الواحد، أرست قواعد راسخة من العادات والتقاليد، حصّنت المجتمع الواحد من آفة الطائفية البغضية وحمت مكونات الشعب الاردني من شرورها، فحافظ الشعب الاردني على هويته العربية الأصيلة باعتبارها الاساس. ورفض ويرفض الاردنيون تقسيمهم على اساس الدين باعتبار الدين لله والوطن للجميع.
ويسجل للقيادة الهاشمية، في السياق نفسه، انها حملت على عاتقها نشر الصورة السمحة للاسلام، وأعلت من شأن القيم النبيلة التي يستند اليها، وتصدت بمسؤولية عالية لكل محاولات تسييس الدين وعنصرته وحرفه عن رسالته الربانية.
يحق لنا في الأردن ان نفخر بما تحقق في بلادنا من تحصين ضد الطائفية باقامة العدل والمساواة ونبذ التطرف والتعصب الديني المقيت. وهذا يملي علينا كدولة ومجتمع، ان نظل يقظين، لحماية وصون هذا المنجز الحضاري الانساني، من خلال التوحد في مواجهة كل قوى التطرف والمغالاة، بغض النظر عن اسمها ومصدرها، وان نحمي ساحتنا الدينية من الدخلاء والتمييزيين، وان نواصل الهجوم الثقافي محلياً وعالمياً، للدفاع عن الدين الاسلامي الحنيف مستندين الى "رسالة عمان" التاريخية والى الارث التاريخي والديني لقيادتنا الهاشمية التي مثلت ودافعت عن المفاهيم والقيم الحضارية للدين الاسلامي، وعملت على ادارة حوار عالمي بين الديانات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة بسام حدادين جريدة الغد