العبارة ليست جديدة ويمكن العثور عليها دائما في الخطاب الاقتصادي، لكن في أدبيات الهيئة التنفيذية للتخاصية، فإن استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص (ppp)، تعني خطّة وبرنامجا محددا يشمل المشاريع الكبرى، وحتّى الصغرى، المقبلة، وعلى الأقل في مجال البنية التحتية.
ما المقصود بالضبط؟ للتوضيح. سنأخذ مثالاً: الحكومة تريد بناء مرفق عام ولنقل مبنى لإحدى المؤسسات أو مدرسة أو مستشفى. بالطريقة التقليدية، تطرح عطاء وتتسلم البناء بعد إنجازه ودفع ثمنه، وتتولى هي إدارته وصيانته وضمان أدائه للخدمة. وهذا يخضع لنظام اللوازم والصيانة البيروقراطي البطيء والفاشل، لذلك تتدهور حال هذه المرافق دائما، وأقرب مثال هو مستشفى حمزة الحديث الذي نعلم كيف انتهى به الحال مبكرا.
الفكرة البديلة هي أن تشتري الحكومة الخدمة، وفق مواصفات محددة من إقامة البناء نفسه، إلى التكفل بأدائه الخدمة مقابل ثمن، وعلى مدار فترة تمتد إلى ثلاثين عام مثلا قابلة للتجديد. في هذه الحالة فإنّ الجهة المتفق معها هي المعنية بضمان بناء جيد وبمواصفات ممتازة، لأنها هي التي ستخسر من أي عيوب وتدهور في البناء، وهي التي تتحمّل مسؤولية الصيانة وإدامة الخدمة الجيدة.
هذه الصيغة تعفي الحكومة من توفير رأسمال الضروري على مدار سنين. وبالنظر إلى المشاريع المتوقعة من الأبنية الحكومية المطلوبة لعقد أو عقدين قادمين من مدارس ومستشفيات ومرافق بنية تحتية مثل السكك الحديدية حيث يخطط لشبكة لا تقلّ كلفتها عن ثلاثة بلايين من الدنانير، فإنّ الشراكة المتوقعة تفتح للسوق فرص توسع هائلة.
الصيغة تبدو هي نفسها التي استخدمت في بعض المشاريع مثل الديسي أي "بناء تشغيل نقل ملكية" (BOT) حيث يتولى القطاع الخاص البناء ثم إدارة المشروع وبيع الخدمة للحكومة بسعر يضمن استعادة الكلفة إلى جانب الكلفة التشغيلية والأرباح خلال فترة العقد، وهي بضع عشرات من السنين، قبل إعادة ملكية المرفق للدولة. في التفاصيل قد تختلف الصيغة قليلاً، فقد لا تهتم الدولة باستعادة المرفق، وهذا قد يعني تخفيض بدل شراء الخدمة، ويمكن للدولة أن تساهم بنسبة معينة من رأس المال.
الفكرة وجدت معارضة من بعض المعلِّقين الاقتصاديين، الذين رأوا أن القطاع الخاص يُظهر فشلا في المغامرة بالاستثمار ويريد المغانم دون المغارم، أي تكفل الحكومة شراء الخدمة بدل أن تكون معروضة في سوق المنافسة، وربما يكون هناك بعض الوجاهة في وجهة النظر تلك، لكن التقييم الصحيح يكون بفحص الأرقام وموازنة الكلف والمصلحة.
وقبل يومين، بمناسبة توزيع التقرير الخاص بنتائج برنامج الخصخصة وآثاره المتحققة عبر إحصائيات شاملة لكل القطاعات، استمعنا إلى عرض سريع لاستراتيجية الشراكة من فريق الهيئة ورئيسها المهندس عبدالرحمن الخطيب مع وعد بمزيد من اللقاءات والنقاشات وإشراك الرأي العام في الموضوع.
التفكير السلبي يرى بالاستراتيجية فقط صيغة لتنفيع رأسمال الخاص باستثمار المال على المضمون، لكنّ هناك أيضا دروسا من الأزمة الاقتصادية العالمية التي تطرح إعادة الاعتبار لمسؤولية ودور القطاع العام في النشاط الاقتصادي من جهة، ودوره المحفز من جهة أخرى لاستعادة النهوض وتجاوز الركود الذي غرقنا به نحن مع بقية العالم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد