من بين كل جيران العراق، الأردن وحده وحصريا هو دولة الجوار المريح والنظيف والنزيه. نقول حصريا لأن لكل دولة أخرى قضية مع العراق أو فيه.. تؤرق وتوتر وتشكل جزءا من متاعب كثيرة داخلية وبينية حدوديا وجغرافيا وديمغرافيا وسياسيا؛ الحدود مع الكويت، والدين والسياسة مع السعودية، والحدود والدين والسياسة والهيمنة مع إيران، والجغرافيا والديمغرافيا والماء مع تركيا. أمّا مع سورية فالسياسة وحدها تكفي لمتاعب من نوع التوتر الشديد في العلاقة مؤخرا على خلفية تفجيرات الأربعاء الدامية بالساحة العراقية.  
طبيعة الأردن ونظامه السياسي جعلت منه دائما وبصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي في العراق جارا جيدا ومريحا، وليس مصدرا للمتاعب في أي حال. دخل العراق من القاعديين الأردنيين مثلما دخلها من بقية الأقطار وكان نصيبنا شخصية رئيسية مثل الزرقاوي، لكن الرجل كان محكوما عندنا بالإعدام بسبب عملية ارهابية قبل ان يشتهر في العراق. لم يتورط الأردن في التدخل بالساحة العراقية الا بالقدر المحدود المتاح لدعم وحدة العراق والمصالحة والسلم الأهلي، وأمنيا مكافحة الإرهاب، ومن المفهوم أن يقف الرأي العام والإعلام مع المقاومة ولو أنه فشل غالبا في تمييزها عن الإرهاب والعنف الأعمى الذي كان يتوجب إدانته، ولعلّ التفجيرات الانتحارية في عمّان نفسها كانت صدمة وعي فاصلة على هذا الصعيد، وقد تحسن الإدراك للكارثة التي جرّها الارهاب وفي النهاية المقتلة الطائفية المتبادلة والتفجيرات التي لا يعلم أحد أين تنتهي خيوطها، وهي في النهاية لا تريد الخير للعراق عموما ولا تبالي بجعل أناسه وقودا لحسابات سياسية تدار في الغرف الباردة المظلمة لا ترحمهم ولا تقدّر طول ما عانوه من أهوال تشيب لها الرؤوس.
الأردن لم يكن على الاطلاق جزءا من هذا، وهو حسم بصورة مبكرة موقفه لصالح العملية السياسة، وأراد مشاركة الجميع فيها لأن المقاطعة ليست حلا بل تأخذ البلاد الى طريق مسدود، وهو أعاد فتح سفارته مبكرا في بغداد التي زارها ثلاثة رؤوساء حكومات في السنوات الثلاث الأخيرة آخرهم الرئيس الذهبي وفريقه الوزاري، حيث تمّ توقيع سلسلة من الاتفاقيات في كافة المجالات من الطاقة والبترول الى النقل الى الزراعة والتبادل التجاري والقضايا المالية المعلقة جديدها وقديمها، وانتهاء بقضية المعتقلين في السجون العراقية.
تستحق جميع المشاكل العالقة موقفا ايجابيا متقدما من الجانب العراقي، وليس متوقعا في لقاء يوم واحد للوفد الحكومي الموسع انهاء كل المشاكل، لكن في اللقاءات الفائتة مع المسؤولين العراقيين وهي شهدت تفاهمات وتوقيع اتفاقيات لم نر كمراقبين اندفاعا عراقيا أخويا مأمولا لحلّ بعض القضايا المعلقة، ونأمل أن تعطي الزيارة الأخيرة دفعة قوية لحلّها، ونحن على ثقة أن الجانب الأردني سيكون أيضا إيجابيا وبأعلى درجات التجاوب مع احتياجات العراقيين.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد