سمعت من مسؤول فلسطيني كبير في السلطة الوطنية الفلسطينية كلاما مهما عن معيقات تحقيق المصالحة الفلسطينية، أكثره معروف لدي، لكن الجديد فيما سمعته من المسؤول الفلسطيني المطلع بحكم موقعه وشبكة علاقاته الواسعة، بما في ذلك خطوط مفتوحة مع قيادات "حماس"، أنّ عقدة العقد بالنسبة لحماس هي موضوع الانتخابات التشريعية والرئاسية، الذي جاء في الورقة المصرية، وأن "حماس" لا تريد انتخابات تؤسس لمصالحة، وفق أسس ديمقراطية يشترك الشعب في صناعتها، وأنها -حماس- تريد مصالحة فوقية بين فصائل تقوم على المقايضة والمحاصصة.
وللدلالة على دقة استخلاصاته، كشف عن كلام جاء على لسان زعيم دولة خليجية موجها له، قال فيه:
"أسقطوا بند الانتخابات من الورقة المصرية، فحماس ستوقع على الورقة المصرية فورا". وأكد المسؤول الفلسطيني أنه سمع من الرئيس السوداني عمر البشير، قبل أسبوع المقولة ذاتها. وأن عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، ردد أمامه الكلام ذاته بعد عودته من زيارة غزة الأسبوع الفائت. فالمسؤول الفلسطيني متشائم ولا يتوقع خبرا سارا من مبادرات المصالحة.
لفت نظري، أيضا، في حديث المسؤول الفلسطيني أن "حماس" لم تكن مسرورة ولا راضية عن زيارة عمرو موسى لغزة، ليس فقط لأنها جاءت متأخرة، بل لحرص أمين عام جامعة الدول العربية على ألا يترك أي انطباع بدعم سياسي لحكومة "حماس"، فقد أرسل موسى وفدا عرمرميا لوضع برنامج بروتوكولي للزيارة.
وقد لاحظت، شخصياً، أن الوفد الذي استقبل موسى على معبر رفح، ضم زكريا الأغا، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، إلى جانب وزير من حكومة "حماس" وممثلين عن الفصائل الفلسطينية، وأن اللقاء مع اسماعيل هنية، تم في منزله وليس في مقر رئاسته، ولم يكن هناك مؤتمر صحافي عقب اللقاء، إلا أنّ الصحافة "المحتشدة"، أجبرته على أن يقول كلاما عاما عن فك الحصار.
ولوحظ، أيضا، غياب قيادات الصف الأول من "حماس" عن اللقاء، الذي جمع عمرو موسى بالفصائل الفلسطينية، ما يؤشر على درجة "الحفاوة" التي لقيها موسى في القطاع. ليس غريبا أن لا تبتهج "حماس" بزيارة أمين عام جامعة الدول العربية إلى غزة. فالزيارة جاءت متأخرة جدا، ولا تحمل دلالات سياسية ذات قيمة، وهي أقرب إلى رفع العتب، لأن النظام العربي بشكل عام، والمصري بشكل خاص، لا يرغب في إضفاء أي شرعية على حكم "حماس" في غزة.
غياب المصالحة الفلسطينية، أو حتى تأخرها، بغض النظر عن الأسباب والدوافع، وقيل وقال، يلحق أفدح الضرر بالمصالح الوطنية الفلسطينية، ويدفع أهل غزة ثمنا باهظا لغيابها، من مستوى معيشته وتعليمه وصحة أبنائه ومستقبلهم، وتخسر القضية الفلسطينية في كل الميادين وتعطي مبررات لجهات عديدة للتملص من التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني.
ليس هناك نجاح أكثر وطنية وديمقراطية من الاحتكام للشعب واحترام إرادته. فالانتخابات التشريعية والرئاسية هي الحل. ورفضها، بعد كل الضمانات لنزاهتها، يعني الإمعان في التمسك بالسلطة، مهما كان الثمن الذي يدفعه الشعب والقضية طبعا.
أما الحديث عن تعارض البرامج والمناهج فلم يعد مقنعا. ثم من قال بأن الوحدة الوطنية يجب أن تقوم على برنامج "حماس" أو "فتح". الوحدة الوطنية تقوم على قاعدة "القواسم المشتركة" وهي اليوم كبيرة وكبيرة جدا، إذا غابت نظرية "المقايضة والمحاصصة"، وسبق أن أتفقا اكثر من مرة على برنامج مشترك.
المراجع
b جريدة الغد
التصانيف
صحافة بسام حدادين جريدة الغد