وصل تداول المعلومات عن التغيير ذروته بإعلان البعض عن موعد خلال ساعات، وبالحدّ الأقصى خلال 48 ساعة، وتدهورت بعض المواقع باعتماد هذا الموعد مغامرة بمصداقيتها، وها قدّ مرّت ثلاثة ايام من دون حدوث شيء، وعليه قد يخبو حديث التغيير لصالح التعديل أو اعادة التشكيل، لكن الحديث كله يبقى عبثيا اذا لم يرتبط  بالرؤية والبرامج والسياسات.
بهذا الصدد فالشيء الأكثر جدّية يدور حول الفريق الاقتصادي وما يعيشه من خلافات، وما وصل اليه الموقف المالي والاقتصادي من مأزق لا يمكن إلقاء مسؤوليته فقط على الأزمة العالمية، ثم الاستنتاج العام بالحاجة لإعادة النظر بالفريق الاقتصادي. والقضيّة لا تتصل بالأشخاص بل بالرؤية والبرنامج.
وإذا كان برنامج التصحيح الاقتصادي تحت توجيه وإشراف صندوق النقد قد استنفد أغراضه، وأصبحنا نعمل منذ سنوات بخيارنا الحرّ، فقد وصلنا بهذه الخيارات الى نقطة نحتاج معها الى برنامج تصحيح وإعادة هيكلة جديدة، لكن بمضمون مختلف.
عجز الموازنة وصل مستويات غير مقبولة والدين العام عاد الى الارتفاع (الداخلي تضاعف عدّة مرات)، والأمر يتصل اساسا بخياراتنا الخاصة التي أوصلتنا مثلا أن نكون البلد الوحيد الذي تعتمد فيه ايرادات الموازنة على ضريبة المبيعات بأضعاف اعتمادها على ضريبة الدخل، والأمر معكوس في أعرق البلدان الرأسمالية التي أخذنا عنها ضريبة المبيعات والتي يصل دخل الفرد فيها اضعاف دخل الفرد في الأردن، بل إن الدول التي تماثل الأردن في مستوى الدخل تحصل من ضريبة الدخل اعلى كثيرا مما يحصله الأردن، والمعدّل المتوسط عند الدول العربية هو ضعف الأردن!
مع ذلك، تمّ طرح مشروع قانون جديد للضريبة يزيد هذا التشوه عمقا، ودائما بحجّة تشجيع الاستثمار، مع ان الدراسات لم تثبت ابدا أن التخفيضات الضريبية هي العامل الأساس في القرار الاستثماري.
أمّا الذي ثبت بالملموس فهو أن الاعتماد على ضريبة المبيعات بدل ضريبة الدخل قد ضاعف الفجوات الاجتماعية، وأدّى لتمركز الثراء وانحدار الطبقة الوسطى والمستوى المعيشي للأغلبية. وبهذه السياسة فإن الرواج الذي شهدناه قبل الأزمة لم يسهم في رفع الايرادات ابدا بنفس النسبة، وظلّت الزيادة في الانفاق تسبق الزيادة في الايرادات بخطوات، ولم نقم حتّى مع الازمة الاقتصادية بالتوقعات الصحيحة، مما وضع الموازنة في مأزق استثنائي. والحق أن وزير المالية نبّه لهذا، لكن الأهم أن أي مراجعة مالية جوهرية للسياسات لم تتمّ، واستمر الرهان على نفس الخطّ القديم الذي قاد الى التشوه الحالي.
نسمع أن الفريق الاقتصادي سيكون موضوعا مركزيا في التعديل، لكننا لا نعرف هل سيرتبط التغيير فقط بالاشخاص، أم بالبرامج والخيارات، ونفترض أن الهدف هو تكوين فريق قوي منسجم يملك رؤية وبرنامجا بديلا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد