لأشهر خلت ترقبنا «اندلاع» ربيع فلسطين، وكنا في تساؤل مرير عن حالة السكون المريبة التي تلف فلسطين، وسط هياج شعبي عربي، وثورات تشتعل هنا وهناك، نشدانا للحرية والكرامة والتغيير، وأهل فلسطين الأحق والأولى في أن يثوروا على الاحتلال، خاصة وأنهم هم أول من اجترح فعل الانتفاض وغدا أسلوب المقاومة الأثير عند شعوب العالم، ودخل مصطلح «الانتفاضة» بأحرفه العربية إلى كل قواميس الدنيا اللغوية، فما الذي حصل؟

انتفض شعب فلسطين أخيرا، ولكن ضد من؟ ضد «نظام» غير موجود أصلا، وسلطة ليست بسلطة، فيما بقي الاحتلال يراقب المشهد «الممتع»: الشعب وسلطته يتناحران وهما تحت احتلال واحد، فيما يمارس كل أشكال التهويد والاستيطان ومصادرة الأراضي وتغيير الوقائع على الأرض، وامتهان كرامة الفلسطيني، ومقدساته: مهرجان صهيوني لاحتساء النبيذ في باحة مسجد بئر السبع، تجريف مقبرة قرية الشيخ مونس في يافا وبعثرة قبور الأسلاف وسحقها تحت جنازير الجرافات في عملية إعادة قتل الموتى، حرق دير اللطرون في القدس وكتابة شعارات معادية،اعتداءات متكررة على الأقصى واقتحامه مرات عدة، منع الصلاة في مسجد أبينا الخليل، واستمرار تمدد الجدار العازل، قصف غزة بين الحين والآخر بمناسبة وغير مناسبة (بالمناسبة: لم نسمع صوت أحد من العرب يعترض، خاصة القيادة الجديدة في مصر) وثمة غيرها كثير من حماقات وجرائم الاحتلال لم تحرك ربيعا، ولم تـُرْعد غيما

الغريب أن رمزيْ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عبرا عن «سعادتهما» بالانتفاض ضدهما، ربما لأنهما يعرفان أن المشهد كله أقرب ما يكون إلى المشهد الهزلي، ففياض استعد للرحيل، فيما عباس رحب ب/ حرية التعبير عن الرأي/ وفي الأثناء لم تمنعه هذه الحرية «الفجة» من القول في لقاء له مع صهاينة ويهود: ان إسرائيل وجدت لتبقى، إنه مشهد في غاية السوريالية، أو قل الكوميديا السوداء

مؤسف أن تعود الانتفاضة إلى فلسطين من أجل «حفنة دولارات» أو شواكل، لا من أجل كرامة الفلسطيني وحريته وخلاصه من الاحتلال، ربما، نقول ربما، كانت هذه هي البداية الصحيحة لعودة الحيوية للشارع، فثمة من يقول: ما العيب في أن ينتفض الناس من أجل رغيف الخبز، كمقدمة للانقضاض على من يسلبهم هذا الرغيف، أو يغمسه بالذل؟ ربما يكون ثمة وجاهة في هذا الرأي، غير أن ما لا يختلف عليه اثنان أن فلسطين، بسلطتها وشعبها، هم جميعا تحت الاحتلال، فلا أقل من أن تتوجه القلوب والحناجر والألسنة والأسنة إن وجدت، إلى صدر الغازي وعينيه، فهو سبب البلاء واقتلاعه من جذوره فيه الهناء والدواء


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية