وضع الرئيس معايير شفافة وعادلة للحكم على وزرائه منها؛ ديناميكية الوزير وميدانيته ومدى التزامه في تنفيذ كتاب التكليف السامي بالاضافة الى علاقته مع النواب
أخيراً، تنفس رئيس الوزراء نادر الذهبي الصعداء، وأنجز تعديلا موسعا على حكومته. وكل الدلائل والمعلومات تؤكد ان التعديل جاء من صناعة يديه، ولم تتدخل أي جهة على الاطلاق في التأثير على الرئيس.
ولعل الدعم الذي تلقاه من جلالة الملك اتاح للرئيس حرية الحركة والخيار متجردا من الحسابات والحساسيات المفرطة، التي رافقت حديث التعديل منذ ان فكر الرئيس به قبل اشهر عديدة.
عمل الرئيس على التعديل، تحت مناخات ضاغطة، من الاعلام، وأعين المراقبين والسياسيين وبقايا مراكز القوى التي تصارعت خلال السنة الاولى من عمر الحكومة. لكن الرئيس صبر ونال التعديل الذي يريد متسلحاً بموضوعيته وابتعاده عن لعبة المحاور.
ليس سهلا اجراء تعديل على حكومة تشكلت، في ظل ظروف ومعطيات، أملت دخول وزراء لتحقيق توازنات لم يكن ممكنا القفز فوقها. لكن الطريقة التي عمل فيها الرئيس مع "فريقه" الوزاري، جعلت منه رئيسا لكل "الفرقاء". وأخذ كل وزير وقته الكافي في العمل، واصبح من حق الرئيس ان يحكم على الأداء.
نقل عن الرئيس انه وضع معايير واضحة للحكم على وزرائه، منها: ديناميكية الوزير وميدانيته ومدى التزامه في تنفيذ كتاب التكليف السامي والشفافية التي يعمل بها الوزير، بالاضافة الى علاقته مع النواب. وأحسب أن هذه معايير شفافة وعادلة، واظن أنه اعتمد إلى حد بعيد عليها او بعضها في التعديل خروجا ودخولا ومناقلات ايضا.
"التعديل اصعب من التشكيل"، هكذا قال الذهبي للرئيس عبدالهادي المجالي، حين التقاه ووافقه المجالي على ذلك، لأن التعديل فيه تقييم واحكام بعد تجربة عمل. ولأن الحكومات عندنا تتشكل على قاعدة "التجريب"، فالتعديل اصبح حكما يطارد الحكومات منذ بدايات تشكيلها.
اصعب المهمات التي واجهت الرئيس وهو يصنع التعديل، في تقديري، هي كيف يخرج في التعديل من دون ان يقال انه لجأ الى تصفيات مع بعض الوزراء المحسوبين على مدرسة فكرية واقتصادية بعينها، وقد نجح التعديل بالفعل في تبديد كل الهواجس والانطباعات، إذ غادر الحكومة من هم من هذه المدرسة وغيرها، وبقي في الحكومة من هم من روادها وجرت مناقلة أحدهم إلى وزارة اخرى.
واتضح أن الزوبعة التي أثيرت حول وزير الخارجية صلاح البشير، ما هي الا زوبعة اعلامية. ولم تكن استعصاء ابدا، ولم يتدخل احد كان، ولم يمارس اي شخص ضغطا من اي نوع "لحماية" البشير، او الدفع لإخراجه.
واكثر من ذلك لم يُعرض على البشير أي موقع وزاري آخر ارضاء لطرف او مهادنة لجهة. والمعلومات المتوفرة تشير إلى أن الرئيس لم يساوم أيا من وزرائه، وكانت عروضه واضحة لا لبس فيها، بما فيها المناقلات الحساسة التي أجراها بين الوزارات، كما لا صحة للمعلومات التي جرى تداولها عن "حالات" رفض وتمنع عن قبول المنصب.
الملفت في الوزراء الجدد أنّ كثيرا منهم من ذوي خلفيات سياسية او برلمانية وأنهم جميعا من ذوي الاختصاص والخبرة والسجل النظيف.
أما اللافت الصارخ فهو وجود وزير للتنمية السياسية من الشخصيات الحزبية والسياسية العريقة والذي يعرف الساحة السياسية على اتساعها وتنوعها معرفة جيدة. والأهم في تقديري أنّ هذا الوزير ينتمي إلى مدرسة اليسار الوطني الواقعي، وهي مدرسة صاعدة تحمل فكراً سياسياً براغماتياً، ولديها تصورات معلنة عن التنمية السياسية ومتطلباتها.
واعتُبر توزير المهندس موسى المعايطة رسالة سياسية قوية تشير الى الرغبة في توسيع قاعدة الحكم. وإلى التفكير الجدي بدفع محاور التنمية السياسية والاصلاح السياسي خطوات إلى الأمام. وهذا ما أكده الرئيس للمعايطة حين عرض عليه حقيبة التنمية السياسية.
لا شك بأن الحكومة المعدلة ستكون اكثر رشاقة وانسجاماً وفاعلية. هذا الحكم على الفريق الوزاري لا يعني أن الفريق بلا مكامن ضعف، ولا يعني أن الوزراء الجدد هم افضل ما يمكن أن يكون. مع التقدير لكفاءة العديد منهم. لكن المشكلة التي تواجه كل رئيس حكومة هي من أين يأتي بالقيادات السياسية لتملأ المقاعد الوزارية، ما دامت الأحزاب مصنع القيادات لا حياة فيها ولا قوة؟!
فالخبرات المتاحة في النخب الأردنية محدودة. لكن مع ذلك كان بإمكان الرئيس أن يوسع دائرة خياراته ويستقطب كفاءات جديدة، تحديداً في دائرة التمثيل المناطقي. لا أغامر حين أقول بأنّ حكومة الذهبي تستحق الدعم والاسناد والمناصحة. فهي حكومة تحمل الكثير من صفات الرئيس المرغوبة يمكن الرهان على عملها واخلاصها. وستكون الأقرب من الحكومات إلى فكر الملك. بأمل أن تهيئ المناخ لحكومة فكر الملك.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة بسام حدادين جريدة الغد