يخوض اليسار الفلسطيني ممثلا في الجبهتين الديمقراطية والشعبية المعركة العسكرية والسياسية التي فرضت على الشعب الفلسطيني في غزة, بمسؤولية وطنية عالية, فقد انخرط بكل امكانياته في معركة الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وتصدى جنبا الى جنب مع حركة "حماس" وبقية فصائل العمل الفلسطيني في قطاع غزة لآلة الحرب الاسرائيلية العدوانية, من دون ان يلتفت الى خلافاته السياسية مع حركة "حماس" وهي خلافات جوهرية ومريرة, ولم يدخل في بازار التلاوم وتحميل المسؤولية او التخوين, واعتبر العدوان الاسرائيلي الغاشم على غزة يستهدف القضية الفلسطينية برمتها وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.
وركز في حملته السياسية على وقف التناحر وانهاء حالة الانقسام المدمرة, ودعا الى قيادة سياسية موحدة للأزمة على ارضية برنامج الاجماع الوطني الذي وافقت عليه "فتح" و "حماس" وكل الفصائل. ورفض اليسار الفلسطيني بإصرار الانخراط في لعبة المحاور ولم يحضر ممثلو الجبهتين الشعبية والديمقراطية, اجتماع محور "حماس" في دمشق الذي خصص لمناقشة قرار مجلس الامن قرار 1860 واصر على موقف فلسطيني موحد ازاء القرار الأممي وكذلك المبادرة المصرية لوقف الحرب.
من المؤسف ان يستمر هذا الانقسام الفلسطيني الذي ينعكس سلبا بكل المقاييس والحسابات على مجمل القضية الفلسطينية ويضعف موقف الطرف الفلسطيني ككل في مواجهة حرب التصفية والابادة العنصرية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على جبهة غزة.
اذا لم تتوحد فصائل العمل الفلسطيني في ظل هذه الظروف, فمتى ستتوحد هذه الفصائل؟ اذا لم تبحث هذه الفصائل الان عن ادارة سياسية وعسكرية موحدة للازمة الطاحنة الان, فمتى ستبحث؟ كل الذرائع تسقط امام خطورة المنعطف الذي تمر به القضية التي وجدت الفصائل من اجلها.
الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين تأخذ اشكالا عديدة وتمر بمنعطفات حاسمة. في غزة اليوم حرب تدميرية شاملة, تماما كما فعلت اسرائيل في الضفة الفلسطينية, حين دمرت البنية التحتية للسلطة الفلسطينية وحاصرت عرفات في ركام المقاطعة مقر اقامته, فالحرب على غزة استكمال للحرب على الضفة ولا يجوز البحث عن حلول جزئية للصراع مع اسرائيل.
مخطئ من يظن ان الاسرائيلي يفرق بين "حماس" و "فتح" او بقية فصائل العمل الفلسطيني، فللإسرائيلي هدف سياسي واحد, وهو: رفض التسليم بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني, ومن يظن انه سينفذ بجلده, فهو واهم.
اشكال النضال متعددة, يتوجب استعمالها واحترامها كلها من دون تردد, والبندقية الفلسطينية يجب ان تكون في خدمة الهدف السياسي.
هذا ما يجب ان يفهمه عباس ومشعل على حد سواء ويعملا بهديه مع الآخرين.
يجب ان تتوقف سياسة الاستفراد بالحرب او بالمفاوضات فهذا التنازع بين اشكال العمل والنضال, يضعف الجبهة الفلسطينية ويجعل الاسرائيلي يستفرد بالاطراف الفلسطينية ويصفي معها الحساب بالشكل والطريقة التي تناسبه في معركتي الحرب والسلام.
لا يعقل ان تدير السلطة مفاوضات مع اسرائيل وهي في اضعف احوالها. ولا يجوز لحماس ان تواصل ادارة صراع عسكري وسياسي بمعزل عن السلطة وعن بقية فصائل العمل الفلسطيني وتضع لنفسها اهدافا سياسية خاصة.
هذا الانقسام جلب الدمار والخسائر وأسال الدماء الزكية وفوق ذلك الخسائر السياسية والعسكرية واذا خسرت القضية, فليس هناك من رابح.
ليس امام الفلسطينيين للخروج من عنق الزجاجة عسكريا وسياسيا, الا وحدتهم والتفاهم على ادارة المعركة السياسية والعسكرية, بما يؤمن وقف المجزرة والحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه والعيش الانساني الكريم, والتعامل مع القضية الفلسطينية كوحدة واحدة, من دون تقسيمها وتقزيمها.
صوت اليسار الفلسطيني يجب ان يسمع, لأنه البعيد عن لعبة المحاور الفلسطينية والعربية والاقليمية, ولأنه بالرغم من امكانياته المحدودة, ظل دائما الضمير الحي المعبر عن مصالح الشعب والوطن, وتصرف بمسؤولية وطنية عالية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  بسام حدادين   جريدة الغد