لم أزر الامارات الا ليوم ونصف يوم من أجل ورشة عمل إقليمية قبل 3 سنوات، فتمكنت فقط من رؤية عابرة  للأبراج الصاعدة في دبي، وهذه المرّة كنّت مع زملاء آخرين في أبو ظبي في زيارة لعدّة أيام بمناسبة الذكرى الـ38 لتأسيس الاتحاد.
هكذا أتيحت لي الفرصة للتمعن قدر الإمكان في" اللغز" الذي أذهل المراقبين، وقد جاءت الأزمة المالية العالمية لتضعه أمام امتحان حاسم. وكما كتبت يوم السبت الفائت فإن دبي التي لا تنتج النفط  لم تتحول لمدينة أشباح وبأبراج مهجورة ويبدو أن الأسوأ قد مرّ، أمّا أبو ظبي فكانت أقلّ تأثرا وهناك المزيد من المشاريع العملاقة قيد البناء تلامس حدود الخيال، ويمكنك أن ترى عرضا للمكان كما هو قبل بدء المشروع  ثم النماذج التي تقطع الأنفاس لما يفترض أن يكون وبينهما ما انجز فعلا حتّى الآن فتتيقن أن الجماعة لا يمزحون.
المكان هو جنّة المعماريين لتصميم وتنفيذ المشاريع الأكثر إدهاشا، ويستطيعون استعارة ومزج كل ما يقدر عليه خيالهم، مكونات تراثية وسوبرعصرية، إيحاءات من عمق الشرق وأقصى الغرب، ولمسات من كل الثقافات والحضارات والأمكنة، والمال موجود.
الكوزموبوليتية هي الصورة التي تشكلت في ذهني في النهاية، وشيئا فشيئا تنقشع الغمامة عن السرّ والمعنى، لسنا أمام فقاعة مضللة، ولا عبث بفائض المال. إنه نموذج شق طريقه ونجح. بدأ الأمر بـجبل علي منطقة حرّة ومخزنا دوليا للتجارة في موقع مناسب بين الغرب والشرق الآسيوي الناهض بانتاجه السلعي الهائل ومناطق الاستهلاك في المحيط الأوسطي، ثم التوسع وكل مجال يفتح لغيره في قطاع الخدمات، وهي اقتصاد البلد مع النفط الذي يشكل الآن 40% فقط من الناتج القومي. هذا الرهان الذي توفر له المال تدحرج مثل كرة الثلج. ملتقى أممي جاذب فوق القوميات والجنسيات، وكل ما يتوفر في العالم يمكن ان يكون له شبيه يتحدّى النموذج الأصلي بنسخة خاصّة لا تعود تقليدا بل ذات خصوصية مبهرة، هناك على جزيرة السعدات مشروع قرية ثقافية ستحوي فرعا لمتحف اللوفر الفرنسي ومتحف جوجنهايم الأميركي ومنشآت ثقافية تراثية وحداثية هائلة. وفي ابو ظبي انتهى العمل ببرج يحاكي برج بيزا التاريخي وهو ليس مائلا فحسب بل ملتف على نفسه أيضا، صرعة معمارية ولا شك. وعلى جزيرة ياس في ابو ظبي اقيم أضخم مضمار في العالم لسباق السيارت يطلّ عليه فندق بتصاميم حداثية وملقى عليه ما يشبه شبكة الصيد، ومن عالم الف ليلة وليلة فندق قصر الامارات "سبعة نجوم" بمرافق مبهره، وقد يبدو الأمر لأول وهلة إسرافا وبذخا لكنه يتحول الى خصوصية جاذبة. وأصبح تقليدا راسخا أن المكان هو قبلة الشركات والمؤسسات لعقد اللقاءات والمعارض والمؤتمرات في كل المجالات. وعلى الجانب الآخر حين تقرأ التقارير الدولية للتنمية البشرية في مجالات الصحة والتعليم وتمكين المرأة والشفافية واستخدام الانترنت تتأكد بأنك أمام قصّة نجاح حقيقية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد