الاثنين الماضي اي في اليوم السابق لحلّ مجلس النواب كتبت تحليلا عن واقع مجلس النواب وعلاقته مع الحكومة والمعركة على رئاسته وانتهيت الى القول " لعلّ كل ذلك فتح الباب لعودة الحديث عن احتمالات حلّ مجلس النواب، وهو احتمال يعيد طرح الاسئلة ذاتها، حلّ المجلس.. من أجل ماذا؟!
لحسن الحظّ جاء الجواب على أفضل وجه : حلّ المجلس من أجل عقد انتخابات جديدة بقانون جديد يفتح الطريق للتحديث والاصلاح. ولو وضعنا جانبا كل الحسابات الأخرى، فان الانتخابات الماضية وحدها كانت تبرر حلّ المجلس لتبرئة ذمّة التاريخ النيابي وطي صفحة سيئة. وربما سنقول ربّ ضارة نافعة حين ننجز انتخابات تكون حقا "محطّة مشرقة" في تاريخنا وفق ما طلب جلالة الملك حرفيا.
التلاعب في الانتخابات الماضية مثل ذروة التدهور في مسيرة نيابية كانت تتراجع من دورة لأخرى، تتراجع في نوعية الانتخابات وعلاقة المرشحين بالناخبين ثم أداء النواب، كان هناك نواب جيدون لكن البيئة السائدة جعلتهم مثل غيرهم، نواب خدمات وواسطة ومحسوبية ومن مجلس لآخر كان الأداء يتراجع وتنتصر الممارسات الأكثر رداءة، والحكومات كانت تعاني وتتواطأ في آن معا. وكم كنّا نُحرج من مقارنة نوابنا مع غيرهم، والسفريات كانت تفضحنا بدل ان تفيدنا لكنها بقيت وسيلة ترفيه وتنفيع الى جانب التنفيعات التي اطاحت بمفاهيم الاستقامة والشفافية. وحتى لا نجلد النواب كثيرا فهم بشخوصهم ليسوا اساس المشكلة، وكما قال أحد الأخوة ضمن العدد الوافر من التعليقات على مقال أول من أمس على النت، النواب هم النتيجة وليس السبب.
هذا صحيح تماما. ان العملية الانتخابية ذاتها تعرضت لفساد خطير أطاح بمعناها كتعبير سام عن مشاركة الناس في تقرير مستقبلهم وسيادتهم في بلدهم، بيع المواطن لصوته لم يعد معيبا وشراء المرشح للأصوات لم يعد فضيحة، ونقل الأصوات بالجملة لم يعد تزويرا لإرادة أبناء الدائرة الحقيقيين، وفي النهاية اصبح التلاعب الصريح بالصناديق والارقام عاديا، هكذا أصبحت النيابة في بلدنا، ولا يعتقدن احد ان هذا لم يؤثر على تقدم البلاد عموما. ومن جهتي فان أكثر ما راعني بعد الانتخابات الماضية ليس التزوير بذاته لكن الفساد العام للعملية الانتخابية في مؤشر خطير على تدهور القيم والمعايير جعلنا نخاف كثيرا على مستقبل بلدنا ومجتمعنا.
كان يجب تدارك الموقف منذ سنوات، و التأخير اوصلنا الى الحال التي أدت إلى حلّ مبكر للمجلس والدعوة لانتخابات جديدة بقانون جديد. لكن الإصلاح بعد كل هذا الخراب يتطلب اجراءات أكثر جذرية ونتحدث تحديدا عن قانون الانتخاب الذي يجب إدخال تعديلات جوهريه عليه لجهة الاجراءات و الجهة المشرفة والرقابة ونوع النظام الانتخابي وكل ذلك أشارت له الارادة الملكية، يجب التجرؤ على تعديلات جوهرية تعيد الاعتبار للانتخابات وللنيابة و لنظامنا السياسي ومشروعنا الإصلاحي والتحديثي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد