تتناقل الاوساط النيابية والسياسية, انباء عن تبرعات مالية سخية حصل عليها حزب التيار الوطني- تحت التأسيس- من شخصيات اقتصادية لم يعرف عنها النشاط السياسي او الديمقراطي العام. فقد تبرعت ثلاث شخصيات اقتصادية محترمة بمبلغ يقارب الربع مليون دينار وهم السادة: صبيح المصري ويونس القواسمي ورياض الصيفي.
وتتحدث الاوساط النيابية ايضا عن تبرع مالي سخي لكتلة الإخاء البرلمانية من متبرع لم يعلن اسمه وبقيمة عشرة آلاف دينار, اوساط الكتلة لا تنفي النبأ لكنها تقول إن المتبرع صديق لاحد اعضاء الكتلة.
"الله يديم الخير", لكن!
من الطبيعي ان يسأل اي مهتم بالشأن العام عن دوافع هذه التبرعات السخية. ولا اظن ان احداً في الدنيا يدفع دون مردود مقابل.
ما هو المردود المأمول والمتوقع من تبرعات من ثلاثة من كبار الاقتصاديين الاردنيين وامثالهم. دعونا نسأل اولا عن الدافع للتبرع.
هل الدافع لتقديم التبرعات السخية هو دعم التجربة الحزبية والتعددية السياسية?! ربما, لكني لا اتوقع ذلك.
هل الدافع, دعم البرنامج السياسي للحزب الجديد ولتوجهاته الفكرية والبرامجية?! ربما, لكنني لا اتوقع ذلك, فالحزب لم يقل حتى الان جملة سياسية واحدة نفهم منها موقعه السياسي والاجتماعي والطبقي. كل ما قاله نوايا انشائية وافكار نظرية مجردة حمالة اوجه, لا يختلف عليها اثنان.
هل الدافع شخصية القائد المؤسس وكاريزميته "الباشا عبدالهادي المجالي" ربما, فهو شخصية جذابة, مرنة, يفهم لغة الطبقات ويعرف مصالحها. لكن شخصية الباشا الحبابة لا تكفي للاندفاع حول فكرة حزبية لم تتبلور بعد ولم يعرف بعد وجهتها وهويتها السياسية والاجتماعية والفكرية.
دعوني اجتهد في تفسير الدافع السخي "ولكل مجتهد نصيب".
يبدو لي ان السادة المتبرعين الكبار وقعوا تحت وهم ان حزب التيار الوطني هو حزب الدولة المنشود, على الطريقة المصرية "الحزب الوطني الحاكم", وهم لن يتخلفوا عن مهمة اسناد الدولة, التي توفر لهم كل مناخات الاستثمار ونمو الثروة. وهم من النوع الذي لا يتدخل في السياسية ما دامت السياسة لا تتدخل فيهم. هم حريصون على ديمومة الامن السياسي والاجتماعي. واذا كان "حزب الدولة" يعزز هذا الامن, فمرحبا به, ويرخص المال من اجله "فمن جهز غازياً كمن غزا". وهناك في الدولة من يعرف مصلحة البلد "ومصلحتهم" اكثر منهم.
دعوني لا انسى بأن اذكر بأن السادة المتبرعين الثلاثة, هم من اهل الخير والعطاء والبناء واكن لهم جميعاً وافر الاحترام. لكن ليعذروني على "فلسفتي" السياسية, فهي "رأس مالي" الوحيد.
اما في الحالة الثانية, فان كتلة الإخاء النيابية, لا تحتاج الى مال, فهي تضم نخبة من الرأسماليين والاثرياء, وهي اكثر كتلة ينتقل اعضاؤها بين المطاعم الفاخرة, واكثرهم سفراً للخارج على نفقتهم الخاصة. اللهم لا حسد. لكن يبدو لي ان التبرع السخي, سيفك حرج نفر قليل من نواب الكتلة "الطفرانين" وعدم قدرتهم على مجاراة زملائهم "كاملي الدسم".
هذا المال القادم للكتلة سينفق على العلاقات العامة للكتلة, التي تهتم كثيرا بصورتها امام من تعتقد انه يقرر دورها الراهن والمستقلي, ككتلة وكأفراد.
فقد انفقت الكتلة من اموال التبرع الاخير على وليمتين فاخرتين جداً.. الاولى كانت افطاراً على شرف رئيس الوزراء بالوكالة وعدد من الوزراء والمسؤولين وعدد من مديري شركات الاتصالات "!!" لا ادري لماذا هذا التكريم المميز لهم, الا اذا كانوا هم او احدهم "المتبرع السخي"!!. والثانية كانت افطاراً لا يقل فخامة لزملائهم في الكتلة الوطنية النيابية الحديثة الولادة. لخلق حالة ايهام عن اتساع القاعدة البرلمانية للكتلة. وهذا وهم كبير, لأن غيمة الكتلة الوطنية مهما أبعدت فإن خراجها للباشا عبدالهادي المجالي.
اتمنى من كل قلبي ان تبني البرجوازية ورأس المال حزباً سياسيا عصريا يدافع عن مصالحها وينظم علاقاتها مع بقية طبقات المجتمع.
واتمنى على اصحاب رؤوس الاموال ان ينخرطوا في العمل السياسي والحزبي وذلك قمة الانتماء الوطني.
لكن هؤلاء السادة الافاضل, اذكى من ان يبددوا جهدهم ومالهم في معركة خاسرة, فهم يعرفون حق المعرفة ان التوازنات السياسية والاجتماعية مختلة لغير صالحهم. فهم لذلك يقبلون بقسمة النصيب وبعلاقات التشارك الطفيلية بينهم وبين شرائح من تيار البيروقراطية النافذ.
الرأسمالية الوطنية الاردنية ضعيفة والسياسات الاقتصادية تسير بغير صالحها, لذلك فهي منكفئة وضعيفة التأثير.
كذلك فإنني اتمنى ان يقدم الدعم الرسمي "موازنة المجلس" وغير الرسمي "الاهلي" للكتل النيابية, وان تصرف الكتل هذه التبرعات على العمل النيابي المؤسسي الجاد, بتوفير البنية التحتية لعمل الكتلة من مستشارين قانونيين واقتصاديين وسكرتاريا وغيرها, ولا بأس من ولائم للعلاقات العامة.
مهلاً.. فقد تذكرت قضية قانونية!!
هل يحق للكتل البرلمانية الحصول على تبرعات مالية من دون الاعلان عنها?! ومن دون الاعلان عن اوجه انفاقها?!
سؤال برسم الشفافية?! بقي ان اقول ان المال وحده لا يصنع حزباً او دوراً برلمانيا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة بسام حدادين جريدة الغد