تتواتر الاخبار والتحليلات التي تتحدث عن تعديل وشيك على حكومة المهندس نادر الذهبي. وتتراوح تقديرات "المحللين" والمنجمين بحجم ونوعية التعديل, ما بين تعديل محدود, يستهدف الوزراء غير الكفؤين الى تعديل واسع ذي نكهة سياسية, يمكن الرئيس من بسط ولاية حكومته على كافة جوانب العمل الحكومي ووزراء الحكومة والتأثير على خياراتهم على الصعد كافة.
حديث التعديل الحكومي, حديث متواتر, يرافق كل الحكومات الاردنية, وهمٌ دائم يشغل "السياسيين" الاردنيين والطامحين وصالونات النميمة السياسية. ويتلون شكل ومضمون التعديل حجما ومضمونا, استتباعاً لاهتمامات ورغبات اولي الامر.
لم يفصح الرئيس الذهبي عما يدور في خلده, ولم يفصح وزراء في حكومته عن رغبة في مغادرة الموقع الوزاري لأي سبب من الاسباب, سوى تسريبات عن مقربين من د. كمال ناصر وزير التنمية السياسية, تشير الى يأس واحباط من المهمة ورغبة في مغادرة الموقع.
انا انصح الرئيس بتجديد دم الحكومة واعطائها دفقة جديدة, باجراء تعديل سياسي بامتياز, يحقق اهدافا سياسية داخلية وخارجية ويعطي الرئيس مسؤولية اكبر في تحمل ادارة البلاد والعباد.
وفي هذا السياق انصح الرئيس اولا باغلاق ملف وزارة التنمية السياسية لانها عبء مالي واداري, ويمكن دمج مهماتها مع مهمات وزارة الشؤون البرلمانية. فبعد ان اصبحت الاحزاب والجمعيات السياسية والثقافية خارج ولاية وزارة التنمية السياسية ولم يبق لها من مهمات سوى "التبشير" بالثقافة الديمقراطية وثقافة المشاركة, وهذه المهمات مقدور عليها من دائرة صغيرة متخصصة.
التغيير المهم وربما الاهم الذي ادعو الرئيس للاخذ به هو تغيير مفهوم ودور وزارة الشؤون البرلمانية, والتعامل مع هذه الوزارة, كوزارة سياسية من الطراز الاول, معنية بادارة العلاقة المباشرة بين الحكومة والبرلمان "مجلسي الاعيان والنواب" ومنظمات المجتمع المدني بما في ذلك الاحزاب والنقابات وتحقيق تواصل دائم معها, وفي حالة البرلمان, ادارة حوارات معمقة دائمة مع الكتل والتيارات واللجان البرلمانية وتحقيق اعلى درجات التوافق مع الاغلبية البرلمانية التي منحت الثقة للحكومة ومحاولة جذب المعارضة بالحوار والتواصل لتذليل العقبات التي تحد من انسياب السياسات والتشريعات الحكومية.
اختزال العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب, بعلاقة الرئيسين معا, اختزال مضر وفيه استخفاف ونظرة قطيعية للنواب. والتشاور والحوار مع اللجان البرلمانية المتخصصة مهم ويجب ان يتواصل, لكن يجب ان ترتقي العلاقة مع الكتل والتيارات البرلمانية الى علاقة حوار معمق وتفاهمات ولا بأس من مساومات سياسية وانصاف حلول احيانا.
هذه خطوة مهمة في اطار اعادة الاعتبار ولو جزئياً لدور مجلس النواب الذي انسحقت شخصيته السياسية والاعتبارية امام السلطة التنفيذية وظهر باعتباره ملحقا بالحكومة وظهر النواب وكأنهم يسددون فواتير انتخابية.
اعادة الاعتبار لدور مجلس النواب, يجب ان يكون هدفا سياسيا من اهداف الحكومة والتعديل والرئيس يبحث سبل تطوير اداء الحكومة وتعزيز قدرتها ومكانتها السياسية داخلياً وخارجياً.
الرئيس وحده لا يستطيع ان يقوم بهذه المهمة الحيوية والسياسية التي تمكنه من اداء افضل في الانفتاح السياسي على المجتمع وتصليب الجبهة الداخلية لمواجهة الاحتمالات السياسية كافة, ولتعزيز دور البرلمان ومكانته الدستورية للنهوض العام بدور الدولة والمجتمع.
وزير الشؤون البرلمانية, يجب ان يكون من اقوى الوزراء واكثرهم خبرة وحنكة سياسية وثقافة برلمانية وتشريعية ومعرفة في شؤون الدولة والمجتمع.
ويفضل ان يكون نائبا لرئيس الوزراء ومن المقربين منه, لاعطاء الموقع والمهمة مكانة سياسية وثقلا في اركان الحكومة.
يجب ان تنهي الحكومة حالة التردد السياسي وتقاسم الادوار بين الوزراء في الملف السياسي, فالتبعية القانونية شيء والادارة السياسية مع الاحزاب والنقابات والبرلمان شيء آخر.
واذا كان لي ان "اتمادى" في نصح الرئيس, فانني اقترح عليه ان يكلف هذه المهمة لاحد النواب من الاغلبية البرلمانية وليس بالضرورة من الكتلة الاكبر.
وهناك اسماء لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة تنطبق عليها كل او اغلب المواصفات المشار اليها. وهذا التشبيك سيكون له مردوداً كبيراً جداً على العلاقة بين السلطتين.
الامر الآخر الذي يتوجب على الرئيس ان يفكر فيه ملياً هو الحديث عن ولاية الحكومة وبسطها على كافة اشكال العمل الحكومي التي يحددها الدستور. وانصح الرئيس بأن لا يتردد في وضع حد للتطاول على مهماته الدستورية السياسية والاقتصادية والامنية حيثما وجد هذا التطاول. وان لا يقبل ان يكون التقاسم الوظيفي على حساب ولايته الدستورية.
مع ملاحظة ان الديوان الملكي في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني اصبح مولدا ومطبخا للافكار الكبيرة والمبادرات الاستراتيجية مثل: منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة, وسكن كريم والمناطق التنموية وغيرها من المبادرات والتوجهات. وان هذا كله يتم بتوجيه ورعاية ملكية سامية, وفي اطار صلاحيات الملك الدستورية, استحداث هذا الدور للديوان الملكي يستوجب قناة ساخنة من الاتصال والتواصل بين الديوان الملكي والحكومة, يتوجب ان تكون واضحة وبعلم ومعرفة الرئيس ومشاركته الفاعلة, ويتوجب ردم اي هوة تعيق تطبيق هذه القاعدة.
واذا كان هناك من الوزراء من يعمل من خلف الرئيس وبغير معرفته واطلاعه وموافقته, فإنني ادعو الرئيس الى استبداله بوزير يقوم بمهماته كعضو في مجلس الوزراء اولا وفي اطار سياساته وبرامجه وتوجيهاته.
واذا كان هناك كما يشاع وزراء مفروضون على الرئيس بغير قناعاته, فإنني ادعو الرئيس الى فتح مثل هذه الملفات إن وجدت مع الملك, فالثقة العالية التي يبدو واضحا ان الملك وضعها بالرئيس تمكنه من فتح كل الملفات.
ليكن التعديل المنتظر ان صحت التوقعات تعديلاً سياسياً وفنياً او لا يكون, ويتوجب ان لا يغفل الرئيس سمعة وتاريخ وشعبية طاقمه الوزاري, فهذه قضية مهمة تشكل صورة الحكومة في الذهن الشعبي. على حكومة الذهبي أن تحظى بثقة شعبية عالية ما يساعدها على المضي في تجربتها وانجازاتها. وامعانا في التفاؤل, نتمنى على الرئيس ان "يلون" حكومته باشراك كل الوان الطيف السياسي وعلى الاخص المؤمنين بافكار الملك الاصلاحية كترجمة حقيقية للانفتاح الداخلي وتوسيع قاعدة الحكم والتقدم ولو بخطوة نحو الاصلاح السياسي.
جلالة الملك على ما ابدى من سعة صدر في تقبل كل ما يطرح من افكار وتعليقات وما يشاع من اقاويل, اثبت مرة اخرى واخرى, انه يعطي الاهمية الاولى للعمل والانجاز ويراهن على قدرة المواطن ووعيه في فرز الخبيث من الطيب الذي ينفع الناس ويمكن في الارض.
ولتكن مناسبة التعديل مناسبة يثبت فيها الرئيس انه لا يلتفت يميناً ويساراً, بل نحو بوصلة الملك التي نثق ويثق فيها الاردنيون.
محظوظ هذه الرئيس فالحديث لا يطال رحيل حكومته؛ نأمل بأن يكون هذا "التعديل" على مزاج "السياسيين" والطامحين, فاتحة خير.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  بسام حدادين   جريدة الغد