تبدي النخب السياسية الاردنية، نشاطاً محلوظاً في الآونة الأخيرة، وتسعى من خلال مبادرات سياسية متنوعة، الى التعبيرعن نفسها وعن مزاجها وتطلعاتها ومصالحها الخاصة والوطنية العامة. وهذه ظاهرة محمودة ، تعكس مدى حرارة الصراع الاجتماعي والسياسي والحاجة الى تأطير ومأسسة العمل السياسي والارتقاء به والتأسيس لحوار وطني متجدد بين مكونات المجتمع وبينها وبين مؤسسات الدولة على اختلافها.
من أبرز نشاطات الاسبوع الفائت، كانت مبادرة مجموعة من نشطاء المعارضة لإطلاق حملة لجمع مليون توقيع "لتجديد الميثاق الوطني" الذي صدر عام 1928 عن المؤتمر الوطني الاردني الاول الذي ضم زعماء الحركة الوطنية الاردنية. حيث يعتقد اصحاب المبادرة، أن افكار ومضامين الميثاق الوطني المذكور، بالرغم من مرور ثمانين عاما عليها، ما تزال صالحة كأهداف وخيارات سياسية للمرحلة الراهنة.
بناء عليه واستنادا على هذا "الإسقاط"، قدم المبادرون افكارهم الخاصة، مستندين على عناوين وافكار عامة وردت في الميثاق الوطني. واعتبروها - افكارهم الخاصة - قراءة للحاضر بمفردات واهداف الماضي. واعتبروا هذا الخليط من الافكار تجديدا للميثاق الوطني لعام 1928.
 حبكة سياسية رشيقة ، استهدفت تجيير الدعم والتأييد المخزون في الذاكرة الشعبية والوطنية للميثاق الوطني العتيد، الى افكار سياسية خاصة لمجموعة من السياسيين ليست محط اجماع وطني، كما كانت افكار واهداف الميثاق الوطني الاصيل.
وللدلالة على ما أقول، سوف اتوقف عند نقطتين مهمتين من النقاط الواردة في الميثاق الجديد. النقطة الاولى تتعلق بالفقرة التالية كما وردت في الميثاق الجديد "إن الدولة الوطنية الاردنية هي دولة القطاع العام والرعاية الاجتماعية وإن انجاز المشروع التنموي منوط بالدور الاقتصادي والقيادي للدولة واولوية المصالح الاجتماعية الوطنية". وفي مكان آخر يجري التأكيد على رفض الخصخصة من حيث المبدأ.
السؤال المطروح: هل هذه الافكار "الاشتراكية" محط اجماع وطني?! وهل دخل الميثاق الوطني في تفاصيل النظام الاقتصادي، اليست هذه اسقاطات فكرية على ميثاق وطني، حرص الذين كتبوا افكاره على ان تكون جامعة لا مفرقة، وطنية لا عقائدية.
النقطة الثانية التي اود الوقوف عندها لأهميتها ودلالتها تتعلق بالدعوة الى قانون جديد للانتخابات النيابية يستند الى النسبية في اطار المحافظة.
الميثاق الوطني، تحدث عن نزاهة الانتخابات، و"الرفاق" هنا يتحدثون عن الاسس والقواعد السياسية والتمثيلية التي يجب ان تقوم عليها العملية الانتخابية. وهي ايضا ليست محط اجماع ابدا. وليس فقط كذلك، بل تعكس هذه الاسس والقواعد زاوية الرؤية الخاصة التي تجمع القائمين على المنتدى الاجتماعي الاردني الذي بادر لصياغة افكار الميثاق الجديد. رؤية تقوم على رفض دمج الاردنيين من اصل فلسطيني في الحياة السياسية بحقوق كاملة.
فالاقتراح القائم على النسبية على مستوى المحافظة، مستتبع بتوزيع متساو للمقاعد النيابية على مختلف المحافظات. هكذا هو الاقتراح في صيغته الاصلية المتداولة. الا يعني هذا الاقتراح رفض الاندماج السياسي ولهذا الرفض بالضرورة توابع مرعبة على النسيج الاجتماعي الاردني.
مقاومة التوطين والوطن البديل، هي الفلسفة السياسية التي يستند اليها اصحاب هذا الرأي.
وللأسف باتت هذه الفلسفة والمدرسة السياسية تقاوم الاصلاح السياسي في جوهر سلوكها، بحجة التركيبة الديموغرافية في الاردن، وليس ادل من غياب اي حديث عن البيئة الديمقراطية والقوانين الناظمة لها في الميثاق الجديد.
مقاومة التوطين والوطن البديل، شعار يرفع في وجه الكيان الصهيوني لا في وجه الاردنيين من اصل فلسطيني لانهم جزء من النسيج الاجتماعي ومن تركيبته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ونيلهم لحقوقهم السياسية الكاملة لايعني تخلينا او تخليهم عن حقهم في العودة. والعلاقة بين الشعبين الاردني والفلسطيني شرقي النهر وغربه، ينتظرها آجلا ام عاجلا، العيش المشترك والعلاقات الوحدوية القائمة على وحدة الحال والمصالح.
من حق القائمين على المبادرة، قراءة الميثاق الوطني بما يخدم افكارهم الخاصة ومن حقنا ان نمارس حق النقد. ومن حق المنتدى الاجتماعي الاردني علينا جميعا ان نخلع له القبعة تقديرا واحتراما على مبادرته الوطنية لاحياء الذكرى الثمانين للمؤتمر الوطني الاردني الاول.
هذه الذكرى الوطنية الغالية التي يتجاهلها الاعلام الرسمي والثقافة الرسمية. وللاسف الشديد تتجاهلها ايضا الاحزاب السياسية على اختلافها؛ الدينية والقومية واليسارية. وأستثني الحزب الشيوعي الاردني ايام عزه. انها النظرة الفوق وطنية التي جعلت احزابنا الاردنية غريبة عن بيئتها المفترضة في كثير من الاحيان والحالات.
اعذروني ايها "الرفاق". لو دعيت للمشاركة في احياء الذكرى الثمانين للمؤتمر الوطني العتيد، لحضرت والفرح والسعادة تغمرني. لكنني لن اوقع على عريضة الميثاق الوطني "الخاص" ولعرضت عليكم فكرة جمع التواقيع لتنفيذ الالتزامات السياسية في الميثاق الوطني لعام 1991 .

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  بسام حدادين   جريدة الغد