قدم الأردن أخيرا روايته عن  "العميل المزدوج" الغامض صاحب المهمّة الانتحارية في خوست في أفغانستان التي أودت بحياة سبعة من رجال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والنقطة الفاصلة فيها أن الرجل لم يتمّ تنظيمه من الأمن الأردني في عمّان وإرساله إلى أفغانستان لزرعه في صفوف القاعدة، بل إن الاتصال بدأ معه من هناك من خلال البريد الالكتروني وبمبادرة منه على أساس أن لديه معلومات خطيرة عن استهداف الأردن. وقد تمّ وضع الأميركيين في الصورة أولا بأول، ما يعني أنه لم يقدم للأميركيين كعميل معتمد وموثوق، وأن واجبات التحفظ والحذر تجاهه يفترض أنها قائمة عند الأميركيين مثل الأردنيين. وتصبح قضية دخوله القاعدة الأميركية بالطريقة التي تمت من دون تفتيش وحتّى وصوله إلى المكان الذي فجّر فيه نفسه مسؤولية أميركية تخصّ نظام الدخول والإجراءات والحركة داخل قاعدة شامان.
وحسب الرواية الأردنية غير الرسمية فإن همام خليل كان قد اعتقل هنا لبضعة أيام ولم يثبت ما يبرر استمرار اعتقاله، وسمح له بالمغادرة على أساس أنه يريد استكمال  دراسته  في تركيا، وهو ما أكدته عائلة همام خليل لوكالة اسوشيتد برس، وقالت إنه خدعها وادّعى انه ذاهب إلى تركيا لاستكمال الدراسة ولم تعرف شيئا عنه حتى علمت أنه صاحب التفجير الانتحاري.
والحق أن المرء ليذهل من قصّة الرجل، فهو طبيب متخرج من تركيا وحسب وصف اصدقاء له فهو مثقف متحدث ولامع، رغم أنه، اجتماعيا، انطوائي بعض الشيء، وكان يفترض أنه غادر لتركيا للالتحاق بابنتيه وزوجته وهي صحافية تركية، ومتابعة الدراسة في أحد التخصصات في الطبّ هناك، لكن الشخص الآخر الذي هو الطبيب نفسه يحمل اسم "أبو دجانة الخراساني" كاتب وداعية نشط للجهاد وللقاعدة والعمليات الاستشهادية من خلال المنتديات الجهادية على الانترنت وموقعه الالكتروني. وليس واضحا ما إذا كان الأمن الأردني قد عرف أبدا أن خليل هو نفسه أبو دجانة الخراساني؟ 
أول تصريحات من طالبان الباكستان قالت إن الرجل ضابط في الجيش الأفغاني، ثم أوضحت أنه يعمل منذ عام كعميل مزدوج ضلّل الاستخبارات الأميركية والأردنية التي كانت تريد الوصول به إلى أيمن الظواهري، وقد نعته المواقع الجهادية المختلفة بهذه الرواية، فيما تناقلت المصادر الاخبارية الغربية المعلومات أنه تم تجنيده في عمّان من المخابرات الأردنية لاختراق القاعدة، وكان يزود الأميركيين بالمعلومات وأنه تمّ جلبه في سيارة الى الموعد في القاعدة من دون المرور باجراءات التفتيش التقليدية. وهذه المعلومات عن العملية، التي  وصفت بأنها خسارة أمنية لا تعوض وضربة قاصمة لم تتعرض الاستخبارات الأميركية لمثلها منذ تفجير بيروت عام 1983، شكلت وفق تقارير إعلامية غربية إحراجا للأردن ونكسة قويّة لسمعته الراسخة المعززة بالنجاحات في إدارته الكفؤة للنشاط الاستخباري الوقائي ضد الارهاب.
هناك أسئلة عديدة ليس متوقعا الحصول على أجوبة لها وخصوصا في مجال كهذا. والرواية الأخيرة من عندنا يفترض أن تخفف من حجم المسؤولية الاردنية، لكن على فرض أنه تم تجنيد الرجل سلفا، فليس هناك في عالم الاستخبارات شيء اسمه الثقة مع عميل مزدوج، وتعود القضيّة في النهاية إلى خلل أمني إجرائي في القاعدة الأميركية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد