أظهرت الجولة الأولى من "انتخابات" اللجان الدائمة في مجلس النواب مدى عقم وبؤس وبدائية النظام الداخلي للمجلس، المعمول به حتى الآن. وأظهرت مدى الحاجة السياسية والبرلمانية الملحة للإصلاح البرلماني الذي تأخر كثيرا، وأصبح غيابه يشكل عقبة حقيقية أمام تكريس الركن النيابي لنظامنا السياسي: النيابي الملكي الدستوري.
لاحظوا معي السلبيات "القاتلة" التي أفرزتها "انتخابات" اللجنة القانونية الأربعاء الماضي: استغرق تشكيل (انتخاب) لجنة واحدة يوما كاملا. وكانت النتيجة أن نصف الكتل النيابية لم تمثل في أهم لجنة برلمانية على الإطلاق، وهي المعنية بكل قوانين الإصلاح السياسي: الانتخاب، الأحزاب، الهيئة المستقلة للانتخابات، المحكمة الدستورية.. إلخ. وتم بفعل هذه "الانتخابات" استبعاد كفاءات برلمانية وقانونية مميزة، إما بالإقصاء كما حصل مع النائب المميزة وفاء بني مصطفى، أو بتخوف العديد من الكفاءات البرلمانية من خوض "معركة" عضوية اللجان. لأن "الانتخابات التصفوية" التي تتشكل بموجبها لجان مجلس النواب لا تقيم وزنا للخبرة ولا للثقافة ولا للتخصص. والأهم أنها انتخابات لا تستند إلى الديمقراطية الحقيقية، فيمكن أن ينجح عضو اللجنة بأقل من ربع الأصوات.
ليس هناك برلمان في الدنيا يشكل لجانه وهيئاته القيادية على الطريقة الأردنية؛ طريقة "كسر العظم" و"يا قاتل يا مقتول". إنها أشبه بطريقة "الغزو" لخطف عضوية لجنة أو رئاستها. برلمانات الدنيا تعتمد الديمقراطية البرلمانية أساسا لتشكيل لجانها وهيئاتها القيادية والمشتركة. والديمقراطية البرلمانية تقوم على احترام أهم وظيفة للبرلمان، وهي الوظيفة التمثيلية للشعب بكل مكوناته الاجتماعية وتياراته السياسية. وهذا يعني احترام التعددية البرلمانية وتمثيلها بعدالة ورفض الهيمنة والإقصاء. ولتحقيق هذا الهدف الدستوري الأصيل، تعتمد برلمانات الدنيا قاعدة التمثيل النسبي للكتل البرلمانية في كل هيئات ولجان العمل البرلماني المشترك، ويمثل النواب المستقلون بحصة كتلة برلمانية وبحسب عددهم، ويختارون ممثليهم بالتوافق أو بالانتخاب فيما بينهم. هذه الطريق البرلمانية الديمقراطية العادلة تُمكن البرلمان من تشكيل لجانه الأربع عشرة خلال نصف ساعة بدل أسبوع أو أكثر. يكفي أن تسمي الكتل البرلمانية ممثليها حسب حجم كل كتلة، وتعرض الأسماء على جلسة مجلس النواب للعلم فقط. وتضمن هذه الطريقة تمثيل كل الكتل والتيارات البرلمانية والمستقلين، وتضمن أن يكون رأيها وموقفها حاضرا وممثلا في كل "دوائر" صنع القرار البرلماني. وأيضا، ستسمح هذه الطريقة الديمقراطية للكتل بتسمية واختيار أفضل الكفاءات والمختصين من أعضائها للمشاركة في اللجان حسب اختصاصها، ما يسمح للمجلس بأن يقدم للجان وهيئاته أفضل المختصين وأرفع الكفاءات.
لا أريد أن أنظّر كثيرا للفوائد السياسية والبرلمانية لاعتماد قاعدة التمثيل النسبي في البرلمان وغير البرلمان، فقد بات هذا خيار كل البرلمانات والشعوب المتحضرة. 
ولا أريد أن "أغُمّ بال" القارئ حتى النهاية، وأرغب في أن "أُفرِّج" غمه، بأن أعلمه بأن الإرادة السياسية تسير نحو إقرار التعديلات الثورية التي اعتمدتها اللجنة الاستشارية لمراجعة النظام الداخلي التي تشرفت برئاستها. وقد أبلغني معالي رئيس مجلس النواب الجديد الزميل عبدالكريم الدغمي، الذي خبر العمل البرلماني منذ العام 1989، بعد نجاحه برئاسة المجلس، بأنه يدعم بقوة الإصلاح البرلماني، وسيعمل على إقرار التعديلات على النظام الداخلي في أسرع وقت.
ومن حق الرأي العام أن يعرف بأن جلالة الملك على اطلاع كامل وبالتفاصيل بخطة وأهداف الإصلاح البرلماني، وهو يدعمها بقوة، وعبّر عن موقفه ورأيه أمام كل الجهات ذات العلاقة. وقد التقط جلالته بحماس شديد الحاجة إلى أن يهيئ مجلس النواب بنيته التنظيمية ويكيف نظامه الداخلي للتعامل مع برلمان تمثيلي فاعل، يؤسس لحياة برلمانية وسياسية جديدة تسمح بتشكيل حكومات برلمانية، لأن العمل البرلماني الذي لا يقوم على احترام التعددية ويحمي حقوق الأقلية (المعارضة)، سيُفسد كل إيجابيات قانون الانتخابات النيابية ويحاصرها ويبطل مفعولها. هل تشاركوني القول بأن الإصلاح البرلماني شرط لنجاح الإصلاح السياسي؟ صدقوني إنه كذلك.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد