لمفاجأة غير السارة وغير المتوقعة لمهندسي قانون الانتخاب الذي أقر بأغلبية بسيطة من غرفتي التشريع في البرلمان، جاءت من "معارضة البيت"، التي أضافت للمعارضة التقليدية والديمقراطية زخما ومشروعية. فلم تقتصر معارضة القانون على التيار المتنور في الموالاة، أمثال رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الكباريتي والوزير السابق، مهندس "الأجندة الوطنية"، مروان المعشر، بل امتدت إلى تخوم "النواة الصلبة" للنخبة الحاكمة، والتي عبر عنها زعيم حزب التيار الوطني العين عبدالهادي المجالي علنا تحت قبة الأعيان (على العكس من موقف كتلة الحزب النيابية)، ورئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة بغيابه عن جلسة مجلس الأعيان التي أقرت القانون. ولولا التحشيد واستثارة الهمم لما أقر القانون بالحدود الدنيا من أصوات النواب والأعيان.
لم يحظ "التوافق الفوقي" على مشروع قانون الانتخاب برضا كل شرائح الطبقة السياسية الحاكمة، لأنه يضيق قاعدة الحكم الضيقة أصلا، ولا يساعد على تغيير قواعد العملية السياسية التي يحتاجها النظام لتطوير نفسه، ولردم الهوة المتنامية مع قاعدته السياسية والاجتماعية. ناهيك عن دعوات الملك إلى تحديث أساليب الحكم، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وتعزيز الركن النيابي في النظام السياسي، وصولا إلى حكومات برلمانية. 
تشنج المعارضة التقليدية (عكس المعارضة الديمقراطية التي أبدت مرونة فائقة)، وارتهانها للخطاب "الثوري" الطارئ للحركة الإسلامية ولشروطها وتصلبها، سهل على "النواة الصلبة" للنخبة الحاكمة تمرير رؤيتها لقانون الانتخاب. وكلنا يذكر فوضى السقوف والشعارات والتحالفات التي اعتمدتها الأجنحة المتصارعة في الحركة الإسلامية، ورفضها التعامل مع المؤسسات الدستورية (مجلس النواب والحكومة). وتمسكت الحركة بشروطها الستة المعروفة، ولم تتزحزح عن موقفها هذا حتى أقر القانون في مجلس الأمة وبقي أن يوشح بالإرادة الملكية. فاستدارت الحركة الإسلامية "ودبت الصوت" مناشدة الملك التدخل. 
جاء ذلك بعد أن أيقنت الحركة الإسلامية أن "النظام" ماضٍ إلى تجاوزها، وأنه لا يأخذ بعين الحسبان ما تعتقد الحركة أنه عناصر قوة تدفعها إلى التشدد، وأعني المتغيرات الإقليمية، ووجود سند إقليمي-إخواني لها في مصر ودول الربيع العربي. ووجدت الحركة الإسلامية أنها ستخسر كثيرا من سمعتها ودورها المأمول إذا ظلت تنأى بنفسها، فـ"دبت الصوت"، وأرخت أذنها للوساطات ونصائح "الإخوة" في "حماس"، للتواضع والسعي إلى عدم التصادم مع النظام. مستجدات الأسبوع الماضي، بدءا بصعود "الإخواني" د. محمد مرسي إلى سدة الرئاسة في مصر وحاجته إلى كل دعم داخلي وخارجي حتى يقف على رجليه، مرورا بزيارة "حماس" ووساطتها ومستقبل علاقتها بالنظام، ستدفع الحركة إلى إعادة النظر في تشددها. وقد وفر قرار الملك بتعديل قانون الانتخاب، وتوجيهاته بتوسيع قاعدة المشاركة من خلال زيادة حصة التمثيل السياسي الوطني، فرصة للحركة الإسلامية للنزول عن الشجرة. 
وقد بدأت الحركة استعدادها لاحتمالية النزول الاضطراري بغيابها عن اجتماعات لجنة التنسيق مع أحزاب المعارضة، وبتقديم تنازلات علنية دون الرجوع إلى الحلفاء، إضافة إلى التهدئة النسبية في الشارع.  هل ستقبل الحركة الإسلامية بـ20 % مقاعد للقائمة الوطنية باعتباره التعديل المعروض والمتوقع؟ لا أشك بوجود تيار عريض في الحركة يقبل بهذا العرض. لكنني لست متأكدا من أنه أغلبي. ويقينا أن الصراعات الداخلية تفرض نفسها بقوة على الموقف النهائي. أدعو الحركة الاسلامية وجميع القوى السياسية، إلى القبول بنسبة 20 % للقائمة الوطنية النسبية، وآمل أن تكون مفتوحة وليست مغلقة، لتوسيع قاعدة المشاركين في التنافس عليها من غير الأحزاب الكبيرة.  دعوتي هذه قائمة على أساس أن الفقرة (هـ) من المادة الثامنة من قانون الانتخاب وحدها ستكون معروضة للتعديل، وليس لمجلس النواب خيارات أخرى

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد