عاد المبعوث الأميركي للتسوية السلمية، جورج ميتشيل الى المنطقة. ومن المرجح أن يعلن خلال يومين عن انطلاق المفاوضات غير المباشرة التي حرص عبّاس على ان تكون الموافقة عليها بقرار عربي، وهل كان لدى العرب غير ان يوفروا له السلم للنزول عن الشجرة التي اعتلاها ونقصد اشتراط الوقف التام للاستيطان أولا؟
المَخرج الذي وفره الأميركيون بمفاوضات غير مباشرة يعطي اربعة اشهر اضافية قبل بها العرب والفلسطينيون لقلّة الحيلة وانعدام البدائل، ولسان حالهم يشكك بجدوى المقترح وبجدّية اسرائيل التي تقابل الجهود الأميركية بمزيد من الاستفزازات والتطاول على الأرض والمقدسات التي دفعت بعض القيادات للتلويح بانتفاضة ثالثة.
سبق للرئيس الفرنسي ساركوزي في تشرين الأول الماضي أن لوّح بمخاطر انتفاضة فلسطينية ثالثة، إذا لم تشق المفاوضات طريقها، ولعل هذا التلويح هو آخر ما في الجعبة بعد ان لم يعد في الجعبة ما يمكن التهديد به! حتّى خطر التطرف أو تقوية حماس على حساب السلطة لم يعد ورقة يمكن التلويح بها، فقد صعدت حماس وتسلمت السلطة في غزّة، وهي تبدي كفاءة عجزت عنها السلطة، اذ تضبط بقبضة حديدية وقف إطلاق النار والصواريخ.
أربعة اشهر من المفاوضات غير المباشرة لا يبدو ان اسرائيل سوف تستثمرها بشيء غير المزيد من الاستيطان وتوجيه الإهانات للسلطة الفلسطينية وإضعافها، وتدمير الثقة بها لدرجة انها قد تجد نفسها في وضع أكثر حرجا مما تبدأ به الآن.
هل يمكن أخذ التلويح بانتفاضة ثالثة على محمل الجدّ؟! الانتفاضة الأولى والثانية لم تصنعا بقرار؛ فقد تضافرت ظروف حرّكت الشعب الفلسطيني الذي تحمّل في الانتفاضة الثانية بخاصة تضحيات جسيمة تحولت الى دمار شامل مع عسكرة الانتفاضة والمواجهة غير المتكافئة بين الجانبين.
ولا يبدو أن الشعب الفلسطيني في وضع معنوي ومادّي لتحريك انتفاضة جديدة، وكما قال ماهر كيالي في مقال له بالأمس “الجماهير الفلسطينية زَجّت طوال العقد الماضي في ما عرف بانتفاضة الأقصى، بكل إمكانياتها وطاقاتها، ما عرّضها لاستنزاف كبير، في إمكانياتها البشرية والمادية، والحركتان القائدتان (فتح وحماس) لم تفعلا شيئا، آنذاك، في سبيل ترشيد استهلاك طاقة الشعب الفلسطيني".
لعلنا يمكن ان نتحدث، الآن، عن شيء مختلف، شيء من نموذج نعلين وبعلين معمما، الفعاليات التي تنفذ أسبوعيا بصورة منتظمة عند الجدار بمشاركة متضامنين أجانب وإسرائيليين يمكن ان تصبح سمة لتحرك شامل على طول مناطق الجدار، وعند الحواجز، ويمكن للفصائل ان توجه كل طاقاتها نحوها وأن يشارك قادة السلطة بها، ولتذهب بطاقات الـVIP إلى الجحيم.
يجب ردّ الاعتبار للمشاركة الشعبية الجماعية. فليس للناس ان تعاني وتشكو فقط، يجب تنظيم مشاركة كل مواطن تحت الاحتلال في جهد ذكي ومنظم وموجه لجعل كلفة الاحتلال بالغة الأذى معنويا من دون تدفيع الناس ثمنا لا يحتمل، بل يمكن لذلك أن يمشي بالتوازي مع إدامة عمل المؤسسات والحياة العامّة والإنتاج أو ما يعرف ببرنامج فيّاض لبناء دولة الأمر الواقع.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة