كان وزير التربية د. إبراهيم بدران قرر بعد أزمة التوجيهي منع مسؤولي الوزارة من الإدلاء بأي تصريحات إعلامية، وكان الأصح أن يشمل نفسه فقط بهذا المنع في ضوء تورطه بالتصريح الشهير الذي فجّر غضبة عامّة في أوساط المعلمين، فقد نجح الصحافي في استفزازه ليطلق في ثنايا المقابلة العبارة التي تطلب من المعلمين حلق لحاهم والاهتمام بهندامهم بدل المطالبة بنقابة، ولا أدري كيف أنه لم يفكر طوال الساعات اللاحقة في الاتصال بالصحيفة لشطب عباراته تلك.
كان يمكن للاعتذار أن يكون كافيا، لكن المعلمين يعانون من ظروف سيئة وإحباط شديد، ولم يكن ينقص أكثر من هذا الاحتكاك الاستفزازي لإطلاق الشرارة قرب برميل البارود، تنطلق الاحتجاجات الغاضبة التي تريد استقالة الوزير أيضا بدل ان يستمر التحرك للمطالبة بنقابة للمعلمين بالطريقة الهادئة المعتمدة من اللجنة التحضيرية.
وتجد اللجنة التحضيرية نفسها في موقف حرج، فهي أصدرت أول من أمس بيانا قبل اعتذار الوزير ووجهت نداء الى المعلمين لإنهاء الاحتجاجات والعودة “مرفوعي الرأس” إلى تلاميذهم، لكن يبدو أن الأمور فلتت من يد اللجنة التحضيرية، فالتجاوب مع النداء اقتصر على بعض المواقع بينما استمرت الاحتجاجات وتوسعت إلى أماكن أخرى أمس، وحسب ما علمنا فإن اللجنة التحضيرية بصدد التجاوب مع موقف المعلمين والعودة لتبني مطلب استقالة الوزير.
في الأردن شهدنا باستمرار تحركات احتجاجية، والاضرابات والاعتصامات شملت عدّة قطاعات كانت تتأثر بصورة أو أخرى بالسياسات الحكومية بالتقشف وتقليص الإنفاق أو رفع الأسعار إلا المعلمين الذين لم يتحركوا قط رغم المعاناة والإحباط والظروف الاقتصادية الصعبة أو حوادث التطاول على المعلمين التي تعكس تدهور مكانتهم في المدرسة والمجتمع. وأي مظهر يقدر عليه المعلم المهدود بالتزامات عائلية متزايدة وراتب هزيل يضطره معه لمزاولة مهن أخرى الرفيع منها سائق تكسي؟
الحكومة تجهد في هذه الظروف الصعبة لتحسين موقفها وتبحث عن كل خطوة ممكنة لهذه الغاية وقد لجأت أمس الى تخفيض رواتب الوزراء بنسبة 20 % ولم يكن ينقصها انفتاح جبهة جديدة عليها وبالذات من قطاع التعليم الضخم والهادئ تاريخيا والذي خرج للتو من أزمة أهلية عامّة بسبب الأخطاء في الإعلان عن نتائج التوجيهي.
يبدو أن سوء الحظ يلاحق الوزير بلا انقطاع وقد لا يكون بقي للحكومة أي مصلحة أن تستمر بتقديم هذه الحماية المكلفة له. واستقالة الوزير قد تعطي الحكومة فرصة لتنفيس الضغوط من أجل نقابة للمعلمين إلا إذا رأت ان تفعل العكس فتظهر تجاوبا سريعا مع المطالب النقابية لتحييد الضغوط لاستقالة الوزير!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة