ليس صدفة أن يكون السؤال الأول في المقابلة المهمّة لجريدة وول ستريت مع جلالة الملك وهي تسبق زيارته القريبة للولايات المتحدّة حول الفكرة التي تقول المصادر في واشنطن إنها على طاولة البحث. أي أن تبادر الولايات المتحدة إلى وضع مقترح الحلّ بدل انتظار مفاوضات الطرفين التي تتعثّر حتّى قبل أن تبدأ.
الصحيفة سألت جلالته إذا كانت رسالته للإدارة حين يلتقي أوباما هي التالي: نحن نهدر كثيرا من الوقت، دعونا نتقدم إلى الأمام، هذه هي المعايير!
يقال مبدئيا إن معايير كلينتون التي اقترب بها إلى أقصى درجة من الحلّ بين باراك وعرفات ستكون هي المعتمدة. لكن إذا كانت الإدارة الأميركية قد عجزت حتّى الآن عن فرض شرط واحد لاستئناف المفاوضات هو وقف الاستيطان، فهل تملك فرض شروط الحلّ كلّه؟! ليست القضيّة هنا؛ فالعودة إلى المفاوضات من نقطة الصفر تعطي لإسرائيل ميزات جديدة إضافية في ظلّ موازين القوى الثنائية المختلّة للالتفاف على حلّ متوازن ولذلك يجب سلفا أن تكون معالم الحلّ محددة مبدئيا قبل بدء المفاوضات.
إدارة أوباما التي كان قرارها الأول في اليوم الأول لولايتها تعيين مفوض من الرئيس للحلّ في الشرق الأوسط، تجد نفسها الآن بعد عام على الرئاسة في المحطّة ما قبل الأولى، ومن دون أي فرص جدّية لمفاوضات مباشرة تحلّ قضايا الوضع النهائي. والاستراتيجية الأميركية الجديدة إذا اعتمدت فعلا، ونحن لا نجزم بعد بذلك، ستكون نقلة فريدة في مقاربة الصراع. فالخط المعتمد بناء على رغبة إسرائيل كان دائما منذ مدريد 91 وحتى الآن (باستثناء محاولة كلينتون في كامب ديفيد) أن الولايات المتحدّة لا تفرض شيئا على الطرفين بل مهمتها دفعهما للتفاوض، وهذا أشبه بوضع الحمل والذئب معا ودعوتهما للتفاهم. وعلى مدار عقدين لم يثمر هذا الخط إلا في تعقيد النزاع وخلق حروب جديدة ووقائع استيطانية على الأرض تقلل فرص حلّ الدولتين.
التعنت يأتي كلّه من الجانب الإسرائيلي، وموضوعيا فمشكلة الإدارة الآن هي مع نتنياهو، وليس مع عبّاس، عدا الإجراءات الاستفزازية على الأرض وخصوصا في القدس، وهي اجراءات تهدم كل ثقة، وبدلا من إجراءات بناء الثقة المطلوبة فموقف نتنياهو مراوغ تماما من قضية السلام كلها، وهو يستند إلى ائتلاف لا يمكن التفاهم معه على الحدّ الأدنى من شروط الحلّ، بينما يقدم الجانب العربي والفلسطيني عرضا واضحا شفّافا (مبادرة السلام العربية) يستند بدقّة إلى المرجعيات والقرارات الدولية، وعليه فإن المخاطب على الأرجح بالمعايير التي تنوي الإدارة وضعها سيكون الجانب الإسرائيلي. وضع معايير الحلّ استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية هو مطلب عربي مزمن، ويفترض أن تصبح هذه المعايير معتمدة من المجتمع الدولي، ووظيفة المفاوضات هي الاتفاق على تطبيق هذه المعايير في التفاصيل وفي الجدول الزمني.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة