نتوقع أن نسمع من الحكومة إعلانا يقول إنها بصدد وقفة جدّية مع أحداث جامعة البلقاء التطبيقية وتداعياتها، وإنها سوف تترجم الاستخلاصات إلى خطّة عمل معتمدة من"الدولة" تهتدي بها أيضا مؤسسات المجتمع، ونتوقع أن الحكومة تستشعر بصدق هذه الضرورة وأنها ستعمل عليها مستعينة بطيف واسع من الفعاليات والمؤسسات، ونتوقع أن تبرهن الحكومة على ذلك بانعطافة جوهرية في تفكيرها حول قانون الانتخاب.
بعد الحادث الآثم بقتل الشاب أسامة على يد زميل له في الجامعة، امتلأت أعمدة الصحف بالتعليقات التي تحلل وتشخّص وتؤشر على الخلل. وقد تعقد، كما في مناسبات سابقة، ندوات وورشات عمل حول العنف الاجتماعي وجذوره، لكننا لم نعرف أن إرادة حاسمة قد تمّت ترجمتها باستراتيجية محددة للتطبيق.
الصدمة التي عشناها من تجارب متكررة في الجامعات، أن جو الشباب اليوم أسوأ كثيرا، ثقافيا واجتماعيا، مما كان عليه جو آبائهم في شبابهم. واسأل أيا من الآباء عن زمانهم في الجامعة الأردنية في السبعينيات والثمانينيات، واسأل كبار الوجهاء المسؤولين الذين قادوا جهود السيطرة على الفتنة، عن أيام شبابهم والنزعة التنويرية المتعطشة للثقافة والحداثة عند أجيالهم!
الخطّة المنشودة هي في النهاية خطّة إصلاح سياسي ثقافي اجتماعي متعددة المستويات والمجالات، ومن حيث التشخيص فقد أشبعنا أو - كما يقال؛ قتلنا الموضوع بحثا، وحان الوقت إلى إظهار إرادة حازمة بوضع خطّة عمل موضع التنفيذ.
أعود إلى مطلع المقال حول الانعطافة الجوهرية في التفكير السائد حول قانون الانتخاب، لأقول إن إحدى الأفكار التي تحظى بحضور الآن، هي المزيد من تقسيم الدوائر! فيكون لكل مقعد دائرة، ولأن هذا قد يعني تقسيم بعض العشائر على أكثر من دائرة، تمّ استنباط فكرة الدوائر الوهمية، بما يتيح لكل عشيرة أن تتجمع في دائرة بغض النظر عن تباعدها الجغرافي. تصوروا هذا الإيغال في التمركز العشائري والتفتيت الاجتماعي! نحن لسنا بريطانيا حيث المرشح هو مرشح الحزب، كبرت الدائرة أم صغرت. عندنا سيحدث المزيد من الارتداد العشائري للانتخابات، وأيضا المزيد من الاحتراب المرير داخل كل عشيرة، ما دام النجاح يعتمد فقط على تصويت أبناء العشيرة وحدهم. هذا فيما قضيتنا الكبرى هي تحقيق التواصل "عبر العشائري"، والخروج من الانعزال ومن الاعتماد على قاعدة ضيقة خاصّة، تحكم سلوك المرشح ثم النائب ثم ثقافة وتفكير وسلوك الأفراد. وقلنا في مناسبة سابقة إن هناك حلولا حتّى في إطار الصوت الواحد، منها على سبيل المثال التمثيل النسبي للقوائم المفتوحة في المحافظات على الطريقة العراقية، حيث يمكن للمرشح من العشيرة " ا " والمرشح من العشيرة " ب" والمرشح من العشيرة"ج" ان يتحالفوا في قائمة ذات لون معين، مقابل آخرين أيضا من العشائر الثلاثة نفسها في قائمة أخرى، فيتحقق تضامن بين فئات من عشائر مختلفة حول قائمة معينة، مقابل تضامن عابر لعشائر مختلفة حول قائمة أخرى. وكذلك ستتوزع الأغلبية المتنوعة التي لا تنتمي لعشائر كبيرة على القوائم، فلا تشعر بالاستثناء والتهميش. وللحديث صلة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة