إذا كانت أعرق المؤسسات الديمقراطية، مثل النقابات المهنية، تحجم عن أي مراجعة إصلاحية لتوسيع المشاركة وتعزيز الشفافية؛ فلم نلوم الحكومات؟!
إن المشاركين في الانتخابات من التلاوين والتيارات كافة، باتوا أقلية في معظم النقابات، وهم أقلية متواضعة جدا في أكبرها، أي نقابة المهندسين، التي قررت هيئتها المركزية أول من أمس مؤازرة مجلس النقابة وإدانة الاتهامات بالفساد التي تطلقها المعارضة حول قضايا بيع وشراء أراض بعشرات الملايين. الهيئة المركزية الموسعة هي من لون المجلس نفسه، الذي رفض في وقت سابق إعلان تقرير لجنة التحقيق بشأن الاتهامات قائلا إنه سيعرضه فقط على اللجنة المركزية، التي لا يتوقع منها سوى مؤازرة المجلس، بينما إجلاء الأمر وقطع الشكّ باليقين حول الاتهامات بالإثراء وتحقيق منافع شخصية ضخمة من وراء صفقات الأراضي، وهي اتهامات تستند، وفق ما أطلعتنا عليه المعارضة، الى حيثيات قويّة تستوجب تحقيقا من جهة مستقلّة ذات خبرة وصلاحيات مثل ديوان المحاسبة أو هيئة مكافحة الفساد.
مجلس النقابة هو سلطة تنفيذية من لون واحد، عنده مجلس موسع من لون واحد، والأغلبية والأقلية معا يشكلان أقلية من الجسم العام للمهندسين، والمرجعية الأخيرة هي الهيئة العامّة التي تعقد بمن حضر، أي بضع عشرات إلى بضع مئات، في الحدّ الأقصى من عشرات الألوف. ورغم الحديث المتكرر عن إصلاح نقابي لإعادة بناء هيكل التمثيل، فيبدو أن من بيده السلطة مرتاح لاحتكارها، واحتكار السلطة مفسدة أكيدة، ولم يكن ممكنا تحقيق التداول والتغيير إلا بمشاركة واسعة، بينما نرى أن الدورات الأخيرة في معظم النقابات لا تشهد أي نمو للقاعدة الانتخابية بينما أعداد المهنيين تتزايد باطراد.
وفي انتخابات الصيادلة التي ستجرى هذا الشهر، سيشارك العدد نفسه تقريبا الذي شارك في الانتخابات السابقة والتي قبلها، رغم الزيادة المطردة في أعداد المهنيين. ولوحظ ان كبار أهل المهنة يعزفون أكثر فأكثر عن المشاركة في الترشيح، في حين كانت المنافسة ذات يوم تدور بين أهم الرموز المهنية. وقد قدمت النقابة طلبا لتعديلات على القانون وتوسطت من أجل إخراجها سريعا بشكل قانون مؤقت، لكن التعديلات لا تتضمن أي خطّة تضمن استعادة وتوسيع المشاركة، فهي من أجل بعض الاحتياجات الملحة وليس لتحقيق إصلاح جوهري.
هناك جمود شديد، وتمنع في الانفتاح على أفكار إصلاحية جريئة، فالأنظمة القائمة تعود لزمن كانت فيه عضوية النقابات بالمئات، ولا ندري هل هو الجمود فقط أم أيضا المصالح المتشكلة على الوضع الراهن. ولا ندري لم نلوم الحكومات، إذا كانت أعرق المؤسسات الديمقراطية التي تمثل الفئات الوسطى تتمنع عن الإصلاح الديمقراطي. نحن لا نقترح إعادة اختراع العجلة، ارجعوا الى الآليات وهيكل التمثيل المعتمد في بعض البلدان الأوروبية للنقابات المهنية وسوف تكتشفون درجة تخلف هياكل التمثيل عندنا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة