كان نجيب أبو الشعر النمري من شخصيات الرعيل الأول، متعلما ومثقفا، عضوا في أول مجلس تشريعي لإمارة شرق الأردن عام 1929، كان محاميا بارزا وسياسيا وخطيبا مفوها، ومن الشخصيات الوطنية المعارضة للانتداب الإنجليزي حتّى أنه نفي لبعض الوقت. وذات يوم اغتيل بالرصاص أمام مكتبه في عمّان!
لم يكن اغتيالا سياسيا، بل ببساطة خسرنا شخصية وطنية رائدة في عملية ثأر سخيفة، بعد حادثة لا شأن له بها، فقد عثر على شاب من عشيرة أخرى في الحصن متوفىً، ودارت شكوك عندهم أن القاتل من عشيرتنا فتمّ اختيار نجيب أبو الشعر للثأر، وكان للقصّة تداعيات مأساوية لاحقة، وقد وعيت على الدنيا وأنا أسمع عنها وشكّلت وعيي في نبذ مفهوم الثأر من الأساس وما يتصل به من عادات عقيمة.
هل نحن أمام قصّة فشل في التحديث بعد 90 عاما من عمر الدولة، أم هي بقايا أخيرة لظاهرة مندثرة، أم أننا أمام ردّة جديدة وغريبة إلى الوراء، أم أن فكرتنا عن أنفسنا هي أحيانا أفضل من حقيقتنا؟! الحقيقة المؤكّدة أن البنى الاجتماعية القديمة اضمحلت، من دون أن تترسخ بنى بديلة حديثة وموثوقة، وتبدو العصبية العشائرية في مظاهرها الراهنة كائنا مسخا في الزمان والمكان.
لم يكن في أساس أي من الحوادث الأخيرة، ما يستحق أبدا الوصول إلى هذا الحدّ، وكأننا نستعيد أيام أسلافنا وحروبهم التي تبدأ بسبب عقر ناقة أو سباق خيل. لكن العشيرة الآن ليست كيانا قائما ومسؤولا عن أفراده، لا في القانون ولا في الواقع، فمن يخطئ يدفع الثمن عن نفسه، ومن يكسب يكسب لنفسه. وكما فهمنا فإن العقيد المرحوم محمد الذنيبات، نائب مدير شرطة إربد، كان ذهب إلى مكان النزاع لحلّ المشكلة وليس للمشاركة فيها، حين تلقاه الرصاص الأرعن والغبي، ونتفهم «فورة الدمّ» وردود الأفعال اللحظية من محيط الأهل والأقارب، ولا بأس من كل الإجراءات العشائرية لتطويق ردود الفعل وحفظ المكانة الاعتبارية للناس، لكن ماذا يعني أو يجدي حرق المحلات وتدمير الممتلكات العشوائي؟! أمّا الثأر بقتل آخرين لمجرد أنهم من أقارب القاتل، فلا يجوز لا عقلا ولا شرعا.
كنت كتبت بعد حادثة جامعة البلقاء تحت عنوان «نتوقع وقفة! نتوقع خطّة!»، متسائلا ما إذا كانت الحكومة ستتقدم بالتزام واضح بوقفة جدّية ينجم عنها تصور وخطّة عمل. وانتهيت إلى التساؤل ما إذا كانت المراجعة ستلحظ ضرورة تطوير قانون الانتخاب، بما يقلل من الانكفاء العشائري، ويتيح تواصلا وامتزاجا في القواعد الانتخابية، واعتمادا مشتركا ومتبادلا يخفض الاعتماد المصلحي على العصبية الخاصّة بكل عشيرة، هذه العصبية التي يمتطيها الطامحون للزعامة وللتصدر النيابي. هل بقي من شكّ الآن في هذه الضرورة؟!  

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة