كانت زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة ناجحة للغاية، ومن بين عشرات الزعماء الذين حضروا قمّة واشنطن النووية، أتيحت لقلّة منهم لقاءات منفردة مع الرئيس أوباما. ومن هؤلاء بالطبع جلالة الملك، الذي أتيح له أيضا عقد ثمانية لقاءات في نهار واحد مع قيادات الكونغرس ولجانه المختلفة، وقد استثمرت كل دقيقة من أيام الزيارة الأربعة في اللقاءات الأخرى في شيكاغو وتكساس، وخصوصا اللقاءات الاقتصادية المبرمجة هذه المرّة بطريقة عملية، حيث قُدمت عروض محددة لمشاريع الاستثمار في المملكة.
لكن في المجال السياسي؟! تعترف أوساط الوفد أن الإدارة التي تلقت بإقبال واضح قبل عام، رسالة جلالة الملك التي تشدد على أولوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والخطورة الاستثنائية لقضية القدس والدور الأميركي المطلوب، لم تكن هي تماما الإدارة نفسها التي تلقت رسالته في الزيارة الأخيرة، هذا رغم قناعة أوباما بالخط نفسه الذي يَعتبر حلّ الصراع أولوية ومصلحة أميركية وطنية، ورغم تأكيده على الالتزام الذي لن يتراجع بعملية السلام. ولم يكن هذا سرا بالطبع؛ فأثناء وجود الوفد الأردني هناك، سمعنا تصريحات أوباما المحبطة صراحة من "جاهزية الطرفين" للسلام، واعترافه بأن سقف توقعات الإدارة لم يكن واقعيا إزاء تعقيدات الصراع.
هذه التصريحات أثارت موجة من التشاؤم في الأيام الماضية. وفي مؤشر إضافي أرجأ ميتشيل زيارته المرتقبة للمنطقة، لكن عودة الرجل إثر نائبه ديفيد هيل ودان شابيرو رئيس قسم الشرق الأوسط في البيت الأبيض، أثارت تكهنات حول اختراق تحقق، واستدعى عودته المفاجئة، مع أن صائب عريقات قال إن المفاجأة كانت فقط عند وسائل الإعلام! على كل حال الزيارة انتهت من دون إعلان عن أي اختراق، رغم تسريبات بشّرت باتفاق قيد الإعلان في الساعات المقبلة، وهو ما لم يحدث حتّى الساعة!
يبقى لنا أن نخمن ما الذي يجري! فلدى الأميركان أفكار متنوعة لتجاوز عقبة الاستيطان، مثل سلّة الإجراءات الميدانية التي تقترحها الإدارة لبناء الثقة، لكن الإخراج العلني للموقف يتحوّل هو أيضا إلى قضيّة مصيرية، فلا يقدر أي من الطرفين على إعلان، يبدو فيه وقد تراجع عن موقفه المعلن في موضوع الاستيطان، ويخشى كل طرف أن يسجّل على نفسه سابقة يتمّ البناء عليها في المستقبل. فإذا فرط الفلسطينيون بشرط وقف الاستيطان لن يستطيعوا العودة له في أي وقت في المستقبل، واذا قبل الاسرائيليون بهذا الشرط فلن يستطيعوا التحلل منه في أي وقت في المستقبل.
لكن ثمّة مفارقة غريبة بعض الشيء، فالجهود الآن مركزة على مشروع المفاوضات عن قرب (أو المفاوضات غير المباشرة)، وهي مفاوضات كل طرف على حدة مع الأميركان. لكن ما الذي يجري الآن أصلا في هذه الجولات المكوكية، اليست مفاوضات لكل طرف على حدة مع الأميركان، وهل ثمّة ما يترتب على هذا الاستخلاص؟!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة