تكاد تكون الفكرة الأساسية لتطبييق الشريعة الإسلامية في الدولة الحديثة هي محاولة التوفيق بين الأنظمة والقوانين الارضية وبين الشريعة الإسلامية، بمعنى عدم تناقضها مع الشريعة، وفي هذا الحال تكاد تتفق جميع الدول العربية والإسلامية ولا تكاد تكون مختلفة عما سواها من دول العالم، وإن ظلت تعتبر إسلامية.
فالفقه كما تطور تاريخيا هو قانون خاص إلى حد كبير، وهو يحكم العلاقات بين الأشخاص كما في عقود العمل على سبيل المثال، وبالتالي فإن استيعاب السياسات العامة تكتنفه صعوبة بالغة لأنها متعلقة بالمسؤوليات والأنظمة العامة، وفي ما يخص قضايا الأسرة ووضع المرأة فقد بدأت الحكومة الإسلامية بإبطال جميع الإصلاحات الحديثة التي قام بها النظام القديم واستعادت أحكام الشريعة، لكنها ما لبثت أن اضطرت بفعل حاجات المجتمع الحديث ومفاهيمه إلى إعادة كثير من العناصر التي أبطلتها، إنما مع إلحاقات مستمدة من مفردات الفقه.
إن تطبيق الشريعة في الدول والمجتمعات الحديثة يجري فهمه بطرق مختلفة ومتعددة من قبل الأطراف المهتمة بالأمر، فالمتشددون والأصوليون وكذلك الليبراليون (كل في وجهة هو موليها) يميلون إلى نبذ التقاليد التاريخية للفقه ومنطقه ومنهجيته لصالح العودة إلى المصادر القديمة المقدسة، وهي القرآن والسنة، ولكن المتشددين والمحافظين يقرأون هذه المصادر بشكل مخالف لليبراليين، إذ يجنح الأخيرون إلى تبني النسبية التاريخية، ويقرأون النصوص في ضوء زمانها ومكانها مؤكدين أنه وإن كان القرآن كلام الله موجها إلى الناس بمصطلحات يقدرون على فهمها، مما يجعل الألفاظ تتناسب مع الوسط الذي يتلقاها، إذن (يستنتج مؤلف كتاب الشريعة والسلطة) علينا أن نفهم النصوص بلغتنا نحن، ونفسرها طبقا لمقاصدها وروح العصر، وأما المتشددون والمحافظون فيرون هذه النسبية كفرا يجب معاقبة من يجهر به بوصفه مرتدا، وهذا برأي المؤلف يفسر اغتيال فرج فودة ومحاكمة نصر أبو زيد.
وفي أحيان كثيرة تكون الدعوة لتطبيق الشريعة تعبيرا عن سياسات اجتماعية محافظة وقياداتها التي تسعى لاستعادة السلطة كما يظهر في حالة المحافظين في إيران، وفي أحيان أخرى تكون تعبيرا عن استعادة الهوية والثقافة الوطنية والمحافظة على التراث الوطني بالنسبة للمسلمين في مواجهة الاستلاب والغزو، فالشريعة الإسلامية هي المكون الأساسي للمشروع الحضاري الإسلامي، والعمود الفقري لتلك الحضارة، وبدونها لا يعود المجتمع الإسلامي مختلفا عن المجتمعات المسيحية أو البوذية، ومن الملفت برأي سامي زبيدة أن قضاة القرون الوسطى كانوا أكثر تساهلا في تطبيق العقوبات وأكثر تسامحا من المحاكم الإسلامية الحديثة، الأمر الذي يجعله يتمسك بمقولة إن عمليات الدعوة إلى تطبيق الشريعة أو تطبيقها بالفعل هي تعبيرات سياسية واجتماعية متعددة تعبر عن جماعات وقيادات مختلفة، محافظة تسعى لاسترداد السلطة أو التمسك بها، وسلطات سياسية تبحث عن الشرعية وحركات سياسية معارضة تسعى لإضعاف السلطات وإحراجها فتزايد تلك عليها، وحركات قومية ووطنية واستقلالية ترى في الشريعة مظلة لمواجهة الاستلاب والغزو والاحتلال وإطارا للاستقلال وبناء المشروع الحضاري الخاص بالأمة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد