بات شائعا القول إن مشكلة الأزمات السياسية سببها غياب الفن والثقافة، ولكنّ موجة فكرية جديدة تطرح اليوم الفلسفة حلا للأزمات السياسية، وذلك بخلاف المقولة التي سادت في منتصف القرن الماضي عن موت الفلسفة.
فكثير من الفلاسفة والمفكرين اليوم يرون أن الفلسفة تبدد القلق من المواقف العقائدية والاحتقانات السياسية والحروب الطائفية والأهلية، ولكنه رأي بحاجة لنضال كبير وطويل بعدما غرقت الفلسفة نفسها في الغموض، واتجهت المدارس والجامعات إلى العلوم بتطبيقاتها العملية والتقنية.
تصعد اليوم فلسفة عملية واقعية يدافع عنها أمثال جوستاين غاردر مؤلف رواية "عالم صوفي" يقول غاردر: "تشكل الفلسفة احتفاء بالوعي والضمير اللذين يميزان البشر. أفلا يتعين على الفيلسوف أن يكون أول المدافعين عن الوعي الإنساني في وجه الإلغاء؟" وهنا، يحذّرنا مؤلف كتاب "عالم صوفي" قائلاً: "نحن الجيل الأول الذي يلقي بتأثيره على مناخ كوكبنا – ولربما آخر جيل لن يدفع ثمناً لذلك".
وترى الفيلسوفة التركية يوانا قصرادي أنه "في هذا الزمن الذي يؤدي فيه البحث عن معنى بالأفراد للتحول إلى قنابل بشرية، يُنتظر من الفلاسفة البت في مفهوم القيمة والمفاهيم المرتبطة بالقيم الأخلاقية".
ويرد مفكرون القمع السياسي والدكتاتورية إلى غياب الفلسفة، أو سيادة فلسفة قائمة على التضليل والخداع وإقناع فئة من الناس بظلم الآخرين، الفاشية والاستيطان والاحتلال على سبيل المثال مستمدة من فلسفة قائمة على التفوق والوصاية والشعور بالاحتقار وعدم المساواة تجاه الآخرين.
وفي تحليله للتطرف الديني يرى محمد أركون أن التشدد الديني والعنف يعكس البحث عن الملاذ لدى مجتمعات وفئات وأفراد يشعرون بالظلم والتهميش، ويلاحظ أن التدين المفرط يتزايد أيضاً داخل أكثر المجتمعات غنىً، ويؤدي إلى تهميش الثقافة والفكر الفلسفيين.
هل أزمة غياب الحوار لدينا هي أزمة غياب الفلسفة؟ وهل يعود عجزنا عن العمل المشترك والتعايش وبناء أنموذجنا السياسي والاجتماعي يعود إلى تنشئة قائمة على الشعور بالتهديد والخطر؟ في هذه الحالة فإن الوحدة الوطنية لن تحققها البرامج والحلول السياسية فقط، ولكنها في العودة إلى المناهج الدراسية والجامعية لتشتمل على الفلسفة والتسامح، ربما يكون صحيحا أن الموجة الإسلاموية ساهمت في الاحتقان، ولكن يجب أن نعترف أيضا بأنها ليست وحدها المسؤولة، يقول الفيلسوف تاك كي من كوريا: "ثمة حدود للدور الذي يمكن للدين والسياسة أن يلعباه في حل النزاعات الدائرة بين الثقافات البشرية على أنواعها. ويعود إلى الفلاسفة اقتراح البدائل والحلول".
أهمية هذا الكلام ونحن نناقش أزماتنا ومشكلاتنا ونناقش خطاب جلالة الملك بأن الحلول ليست موقفا واحدا أو برنامجا واحدا ولكنها حلول كثيرة متناظمة وقد يكون غياب أحدها خللا في المنظومة، ربما لا تكون الفلسفة أو العودة إليها حلا مباشرا، ولكنها بالتأكيد تمنحنا بيئة من الفكر والوعي إن لم تكن حلا لأزمة فإنها تعين في مواجهتها واستيعابها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد