حققت القائمة الخضراء في الصيادلة انتصارا كاسحا أول من أمس الجمعة، بنجاح مرشحها لموقع النقيب محمد عبابنة، ومعه غالبية القائمة، لكن دلالات هذا النصر لا تنتمي أبدا إلى تعديل موازين القوى في التنافس التقليدي بين الخضر والبيض (أي القوى الوطنية والقومية واليسارية من جهة والإسلاميين من جهة أخرى)، فالأوراق تختلط والاصطفافات تختلف والرأي العام النقابي يتغير، وهذه ليست بالظاهرة الفجائية الجديدة، بل تشق طريقها وتتكرس منذ سنوات.
الظاهرة الأولى في هذه الانتخابات هي نشوء قائمة ثالثة لا تنتمي الى الاصطفافين السابقين، ذات طابع شبابي مهني هدفها الخروج على الاستقطاب "السياسي" التقليدي بين الخضر والبيض. وقد حصل مرشحها لمركز النقيب د. محمد أبوعصب، على 623 صوتا وهو ليس بالرقم الهيّن، إذ حصل مرشح الإخوان على 855 صوتا والنقيب العبابنة على 1056 صوتا. والحقيقة أن مكونا رئيسيا في القائمة الثالثة هم إسلاميون مستقلّون ابتعدوا عن الجسم الإخواني.
وقد كان الإخوان قد حققوا لدورات عديدة، قاعدة موحدة مع غير الحزبيين والمستقلّين في تيار إسلامي عريض، هيمن على النقابة لدورات عديدة، لكن المصالح أخذت تفترق، وغالبا كان الخلاف حول مركز النقيب، وأتاح ذلك لطاهر الشخشير أن يفوز في الدورتين السابقتين، وفي الدورة الأخيرة صوّت الإخوان في التيار لمرشحهم الحزبي (د. محمد البزور)، فحدث الشقاق مجددا، ولم يعد حتى ظاهرة مكتومة، وذلك بالتزامن مع تبلور ظاهرة التيار الثالث "الإصلاح والتغيير".
أمّا تيار الخضر، وهو خليط من المستقلين وذوي الخلفيات القومية واليسارية والليبرالية، فقد عانى أيضا من خلاف جدّي على مركز النقيب. وكانت هناك مناورات حتّى اللحظة الأخيرة ضد المرشح لمركز النقيب. وتسرّبت معلومات غير مؤكدة عن تحويلات متعاكسة في الأصوات، رأى فيها بعضهم ملامح محتملة لتحالفات علنية لاحقة، بين مستقلّي التيار اليساري والقومي والليبرالي مع مستقلّي التيار الإسلامي، مقابل تحالف حزبيي التيار الإسلامي مع بعض حزبيي التيار القومي واليساري، وهو شيء تحقق بصورة محدودة في انتخابات المهندسين الماضية. لكن التوافق على مركز النقيب سيبقى حجر الزاوية في نجاح هذا التحالف أو ذاك. والمهم أن المشهد مرشح لمزيد من خلط الأوراق يتجاوز الاصطفافات القديمة.
غير ذلك ورغم حرارة التنافس، عانت نقابة الصيادلة من الظاهرة العامّة نفسها، وهي التراجع المستمر لعدد المشاركين رغم التزايد المستمر لأعداد الصيادلة؛ فقد شارك في الانتخابات 2566 صيدلانيا من أصل 4190 مسددين لاشتراكاتهم، وهؤلاء من أصل 12 الف صيدلاني. فاذا كان النقباء ينجحون هذه الأيام بأقلّ من 10 % من أصوات أعضاء النقابة، فيجب بالفعل التوقف أمام قضية إصلاح هياكل التمثيل. والمقترح الأساسي المعروف هو نشوء هيئة تمثيلية موسعة تشارك في انتخابها أو تفويضها أغلبية لا تقلّ عن 50 % من الصيادلة، هي تقوم بدورها بانتخاب السلطة التنفيذية (مجلس النقابة واللجان)، وتتولى مساءلتها ومراقبتها وإقرار الميزانيات وأخذ القرارات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة