بدأت البلاد ماراثون الحوار الانتخابي منذ بداية العام حول قانون الانتخاب المنشود، والآن ننتقل الى النصف الثاني بمناقشة قانون الانتخابات الموجود، وعليه فإن أول ندوة لي كانت مساء السبت الفائت في نادي "الحصن" الثقافي الذي افتتح دورته لهذا العام بحوار حول قانون الانتخاب الجديد، الى جانب عرض كتابي حول "الإصلاح السياسي والانتخابات".
وأمس كنت في الزرقاء في لقاء لهيئة شباب كلنا الأردن وقبلها في حفل افتتاح مشروع ثقافة الانتخاب للشباب الذي تتشارك فيه وزارة التنمية السياسية مع أمانة عمّان والمجلس الأعلى للشباب. ويتضمن سلسلة من ورش العمل في الحدائق الثقافية لتنمية الثقافة الانتخابية. وقد اعتمد الكتاب كمرجع في هذا النشاط.
أنا لا أدري كم ستساهم كل تلك الورش واللقاءات والحوارات في تحسين العملية الانتخابية. في المرة الماضية شهدنا أيضا عددا هائلا من ورشات العمل حول كل المحاور وخصوصا تعزيز مشاركة الشباب والنساء في الانتخابات، وبالتفكير الآن في تلك الجهود يبدو الأمر مضحكا بالنظر للمسار الفعلي الذي تحقق في الانتخابات، فما قيمة كل تلك المواعظ للشباب عن حسن الاختيار وكل تلك التدريبات للنساء على دور فاعل يحدث فرقا، بينما نتيجة الانتخابات تقرر بطريقة أخرى جعلت عملية الاقتراع نفسها في عدد من المناطق أي كلام، ولم أكن أستطيع مع الشباب في الزرقاء سوى حثهم على المشاركة، والمشاركة بطريقة إيجابية وذكية، تتجاوز المراجع والأطر التقليدية، لكي نتقدم بنوعية النيابة.
وفي الحصن دافعت عن نوايا الحكومة بإجراء انتخابات نزيهة، وشرحت عن إجراءات في القانون الجديد وعلى الأرض، تدلل على ذلك. والثمن بالطبع أن غمز بعضهم من قناتي قليلا بسبب هذه "الثقة"، فأخبرتهم بقصّة مقال الزميل أحمد ابو خليل الساخر الذي قال إنني لا أرى النصف الملآن من الكأس فقط، بل أبحث عن آخر نقطة فيه للحفاظ على التفاؤل.
واضطررت أن أنوب عن الحكومة برجاء لهم أن يمنحوها فرصة وهي تحلف الأيمان المغلظة بنيتها إجراء انتخابات شفّافة ونزيهة، لكن أحدهم أصرّ أن "الذي يجرب المجرب عقله مخرّب".
عموما اللقاءات خارج عمّان لها نكهة خاصّة، ما يزال هناك اقبال وحماسة ورغبة في إيصال الصوت. امتلأت القاعة في نادي الحصن الثقافي وفاضت وراقبت مستغربا وبشيء من الشعور بالذنب أناسا يتابعون الندوة من وراء الشبابيك ويستمرون على هذا الوضع حتّى اللحظة الأخيرة. البعض هاجم القانون بشدّة، لكن الأغلبية كانت مهتمّة بأن تفهم القانون. وبالطبع كان هناك من يدوّر على طبخة سياسية إقليمية وراء الستار من كل هذه العملية! أعني حلّ المجلس النيابي في منتصف عمره وعمل انتخابات جديدة بقانون جديد.
مهما يكن، ستكون المهمّة القريبة هي أن يصبح القانون مفهوما للعموم، إذ ما يزال الغموض والالتباس قائما عند الأغلبية، ثم يتوجب كسب ثقة الناس ليس فقط لتحسين الإقبال بل أيضا للأرتقاء بفكرة المشاركة وتحسين نوعية الانتخابات!
الأنشطة التثقيفية لا بأس بها، لكن الشيء الأساس هو استعادة ثقة الناس بأن صوتهم يقرر فعلا! هذا ما يجعلهم يعتقدون أنهم يقومون بعمل سياسي من الطراز الأول في حياة البلاد، تماما كما يحدث في الدول المتقدمة. يجب أن يكف الناس عن الشعور بأنهم بالتصويت لشخص يسدون له خدمة، أو يقدمون معروفا أو يسدّون دينا أو يقرضون دعما، سوف يستردونه فيما بعد، أو يقومون بواجب النخوة تجاه حسيب أو نسيب أوقريب. وأسوأ من ذلك النظر للصوت كمنحة مثل كوبون يمكن بيعه لمن يدفع أفضل من الطامعين بفرصة التصدر من خلال النيابة. هذا التدهور في الثقافة وفي القيم وفي العلاقات ينعكس على التنمية وعلى التقدم، وإذا تقدمنا في الانتخابات فمن المؤكد أننا سنتقدم في التنمية، والعكس صحيح.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة