هل ثمة علاقة أو تشابه بين الآيتين "الذين قالوا إنا نصارى" و"قال الحواريون نحن أنصار الله" بمعنى هل تسمية النصارى والنصرانية من النصرة، كما سُمي المسلمون من أهل المدينة "الأنصار"؟
وقد انتشرت المسيحية بين العرب والآراميين في الشام والعراق وأطراف الجزيرة العربية وفي اليمن وإثيوبيا وإرتريا (ويغلب على سكانها الأصل الآرامي والحميري، واللغة الأمهرية السائدة فيها هي من اللغات الآرامية) وذلك قبل أن يعتنقها الرومان البيزنطيون، وفي التاريخ حسب الأب لويس شيخو في كتاب "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية" أن الإمبراطور الروماني فيلبوس (244 – 249م) هو من أصل عربي من مدينة بصرى وكان مسيحيا، وإليه تنسب تسمية مدينة عمان "فيلادلفيا" عندما أعاد تشييدها، ولكن المسيحية في ذلك الوقت كانت محظورة في الامبراطورية الرومانية وكان أتباعها يتعرضون للاضطهاد والتعذيب، مما اضطر المسيحيين والرهبان إلى اللجوء إلى البوادي، فازدهرت الكنائس والأديرة في بادية العرب، ولم يتوقف الاضطهاد والملاحقة بحق المسيحيين (وأغلبهم من العرب) إلا في أوائل القرن الرابع الميلادي (313م) ولكن كان قد تشكل للمسيحيين العرب ممالك وكيانات مهمة قبل ذلك مثل مملكة الرها، أول مملكة مسيحية، والرها اليوم هي مدينة أورفا في أقصى شرق جنوب تركيا وهي مدينة سريانية، والغساسنة والمناذرة، وقد نجح ملوك الغساسنة في إقناع أباطرة الروم باستقلالية المسيحية العربية وخصوصيتها لاستيعاب الخلافات السياسية والدينية التي كانت بين العرب والرومان، وهكذا فقد ظل المسيحيون العرب مستقلين في شأنهم عن المسيحية الغربية، وكان الغرب يسمونهم يعاقبة ونساطرة، نسبة إلى يعقوب البرادعي ونسطور، وهما من أهم علماء وقادة المسيحية في القرون الميلادية الأولى، وماتزال النسطورية تطلق على المسيحيين السريان في العراق والشام.
وتباعدت الشقة بعد الفتح الإسلامي بين المسيحيين في الشرق العربي والمسيحيين في الغرب، وتعددت كنائس المسيحيين في الشرق واستقلت عن بعضها، وقد حارب المسيحيون العرب الصليبيين مع إخوانهم المسلمين، ولكن برغم ذلك فقد حملت الحروب الصليبية آثارا وتفاعلات مديدة تجاه المسيحية العربية، فقد تعرض المسيحيون العرب لاضطهاد بسبب دينهم على يد بعض الحكام المسلمين ومن غير العرب الذين لم يفهموا الفرق بين المسيحيين العرب والفرنجة، ولكن التأثير الأكبر بدأ بالتفاعل والتواصل بين الكنائس المسيحية في الشرق والغرب، فقد انقسمت الكنيسة المسيحية الغربية بين الكاثوليك والأرثوذكس، وامتد ذلك إلى المسيحية العربية والى جانب الكنيسية الأثوذكسية(الشرقية) انتشرت فيما بعد الكاثوليكية ثم البروتستانتية، وانحسرت الكنائس التاريخية.
ويمثل الكاثوليك اليوم في العالم أغلبية أتباع المسيحية (أكثر من بليون نسمة)، وهم الذين يتبعون دينيا للفاتيكان في روما، والكثير من أتباع الطوائف والمذاهب الأخرى غير الكاثوليك يعترفون ايضا بسلطة البابا الدينية بالإضافة إلى سلطة كنائسهم الخاصة، مثل الموارنة والسريان والكلدانيين، وهناك حوالي 500 مليون بروتستنتي، 250 مليون أرثوذكسي، 275 مليونا من أتباع الطوائف الأخرى، وهكذا فإن المسيحية بعامة هي الديانة الأكثر انتشارا في العالم (حوالي ثلث سكان العالم).
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد