لماذا تنجح أمم في غزو أمم أخرى؟ يبدو سؤالا منتشرا عند مطالعة التاريخ على أنه سلسلة متصلة ومتواصلة من الغزوات والحروب، فهل الوجود الإنساني في حقيقته صراع وحروب؟ يعرض جارد دايموند على نحو ظريف وممتع قصة الوجود الإنساني متتبعاً رحلة الإنسان منذ بدأ قبل 13 ألف عام رحلة حياته صيادا وجامعا للطعام، ثم بدأت مسارات التطور للمجتمعات البشرية بالتفرق جذريا، فبعضها اكتشف الزراعة وتعلم تدجين المواشي وتربيتها، ثم بدأت الكتابة والتكنولوجيا والحكومات والثقافات.
يمكن برأي دايموند ملاحظة حالة الجزر البولينيزية في المحيط الهادي والتي تشكل تجربة طبيعية من التاريخ تصلح لمعرفة كيف قولبت الجغرافيا مجتمعات في الجزر البولينيزية وتأثيرات البيئات القارية على التاريخ في أثناء الـ13 ألف عام الأخيرة من خلال التفحص السريع لتأثيرات بيئة الجزر على التاريخ في مناطق وأزمنة أقل طولاً.
وعندما انتشر الأجداد البولينيزيون إلى المحيط الهادي قبل حوالي 3 آلاف و200 عام وطئوا جزرا تختلف كثيرا عن البيئة التي قدموا منها، وخلال بضع ألفيات تكاثر مجتمع الأجداد البولينيزيين في تلك الجزر، وأنتج مجتمعات تراوحت بين الصيادين وصناع الإمبراطوريات.
ويمكن لهذا الإشعاع أن يخدمنا كنموذج للإشعاعات المجتمعية الأطول والأكبر، ولكن غير المفهومة جيدا، وانتشارها إلى عدة قارات منذ نهاية العصر الجليدي الأول، لتتحول إلى قبائل صيادين في مكان وإمبراطوريات في مكان آخر.
الغذاء والجوع يمثلان الجزء الرئيس من قصة الإنسانية، وفي تراثنا العربي نعلم أن رحلات القبائل وهجرات الشعوب ونهاية الممالك والغزوات والهزائم كانت جميعها (تقريباً) مرتبطة بالجفاف والصراع والبحث عن الماء والكلأ!
يشرح دايموند كيف أن إنتاج الغذاء، أي الحصول على الغذاء بالزراعة والتجميع بدلا من الصيد وجمع الطعام الخام أدى في النهاية إلى ظهور العوامل التي أتاحت لبيزارو أن يحقق انتصاره، غير أن بروز عملية إنتاج الغذاء تفاوت على امتداد العالم، وبعض الشعوب طورت عملية إنتاج الغذاء بنفسها، بينما حققت بعض الشعوب الأخرى هذه المهارة في عصور ما قبل التاريخ من خلال تلك المراكز المستقلة، بينما لم تتمكن شعوب أخرى من تطوير عملية إنتاج الغذاء أو الحصول على تلك التقنية، وظلت حتى العصور الحديثة قبائل صائدة وجامعة للطعام الخام.
كانت الزراعة هي التي حولت المجتمعات والناس من الصيد إلى المدن والحواضر ثم الثقافة والفنون، فمجتمعات الصيادين غير مجتمعات المزارعين! وبدأ الإنسان "تدجين النبات" وكانت هذه الخضراوات والفواكه التي نعرفها اليوم نباتات برية، وثمار الكيوي على سبيل المثال التي نقبل على شرائها اليوم في الأسواق وتميز أستراليا كانت حتى فترة قريبة جدا أشجارا برية، وأصبحت قوة الشعوب والمجتمعات تقاس بنجاحها في تدجين النباتات والحيوانات.
وامتلكت المجتمعات الأسبق في تدجين الخيول قوة إضافة مكنتها من غزو المناطق المجاورة! وبالطبع فلم يكن لدى هذه الشعوب وعي مسبق بنتيجة أفعالها، هي تبحث عن الطعام وتحسين حياتها فقط، ولم تكن تدرك أنها تصنع التاريخ وتغير مسار البشرية، تماما مثلما كان الكمبيوتر آلة حاسبة لتسهيل أعمال الإحصاء والجمع والطرح، ولم يخطر ببال مصمميه أنه سيغير موارد البشرية ونقاط قوتها وضعفها.
وكانت القنبلة النووية والصواريخ حلقة في البحث عن الطعام، وتلك قصة أخرى!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد