كلهم دفعة واحدة أمامك. من زمن البراءة والفنّ الجميل، واللحن الأصيل، من البدايات، رواد الفنّ والأغنية في الأردن. أشهر عازف عود، وأشهر عازف ناي، وأشهر عازف كمان وأشهر عازف أورغ، ثم المطربون الذين صنعوا تاريخ الأغنية الأردنية وألفناهم من الطفولة.
هؤلاء جميعا هم الآن فرقة بيت الرواد في حديقة الأمانة في الهاشمي الشمالي. كنت سمعت عن المشروع من شهور، وتقاعست عن الذهاب، حتى دفعني الصديق المهندس هيثم جوينات، نائب أمين عمان للشؤون الثقافية والاجتماعية والرياضية، بموعد ملزم للذهاب أول من أمس، فغضبت من نفسي كيف فوّت كل هذا الوقت، بينما كل أربعاء كان متاحا قضاء ساعة ونصف الساعة مع الحنين. مع سهرة حيّة للاستمتاع بالغناء والعزف على أصوله من أصحابه الأصليين.
لا أحد يعرف ما انتهى إليه إسماعيل خضر وفؤاد حجازي ومحمد وهيب وسلوى العاص. يعود قدامى المحاربين على جبهة الفنّ إلى واجهة الأخبار فقط، كلما غادر أحدهم الدنيا الفانية، وقبل بعض الوقت ظهر خبر عن وفاة توفيق النمري، ولم يكن صحيحا، فقد تعرض لوعكة صحيّة أقعدته هذه الأيام عن المشاركة في بيت الرواد إلى جانب الأسماء آنفة الذكر، ومعهم فرقة فنّية تاريخية. كل واحد منهم كان عمودا في تاريخ العزف على آلته الموسيقية، روحي شاهين وسمير بغدادي وإميل حداد وحسن الفقير وآخرون، أعتذر إذ لا تحضرني أسماؤهم جميعا، وقد لاحظت مقعدا شاغرا في الصف الأول للفرقة، فعرفت أنه يعود لمحمد مريش الذي توفي الأسبوع الماضي.
هؤلاء جميعا غادروا منذ زمن طويل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى تقاعد متواضع لا يسدّ الرمق، والمحزن بالنسبة لهم التقاعد من الفنّ، الذي لا يعرف التقاعد فيما يشبه دفنهم وهم أحياء.
بهذه المبادرة الرائعة أعيد هؤلاء الكبار إلى الحياة، وبطريقة كريمة وجميلة، تحت إدارة الفنان والموسيقار المبدع صخر حتّر، الذي جمعهم وهو يقوم شخصيا بقيادة فرقة العزف كل أربعاء.
أمانة عمّان قامت بتوظيفهم برواتب مقابل تقديم عرض أسبوعي في بيت الرواد، لا يحتاجون للذهاب إلى أي مكان، ومن يريد أن يستمع إلى الطرب الأصيل والغناء الجميل يأتي هنا، ومع الرواد هناك أيضا من الجيل المتوسط الملتزم بهذا الغناء، مثل الفنان بشارة الربضي، وآخرين لم يعملوا كمطربين، وهم على رأس وظائفهم، لكنهم يمثلون أصواتا مميزة، هواة يحترفون الطرب الأصيل، كالأغاني التي قدمها عطالله هنديلة لفنّ عبد الحليم حافظ.
المكان نفسه كان مفاجأة، ففي قلب الهاشمي الشمالي ثمّة حديقة رائعة وبناء نظيف جميل وصالة واسعة مكيفة جيدا حيث تؤدي الفرقة عملها.
أراهن أن كثرين لم يعرفوا بوجود هذا المشروع، أو سمعوا عنه، ثم نسوا كما هو الحال معي، والآن أريد أن أقول لهؤلاء لا تنسوا أن لديكم هذه الفرصة الرائعة في الثامنة من مساء كل أربعاء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة