مع بلوغ الدين العام ما يناهز 11 بليونا، وعجز في الموازنة قدره بليون ونصف البليون، بدا كما لو أننا عدنا إلى نقطة الصفر، وابتلعنا نتائج عقد ونصف عقد من التصحيح الاقتصادي. وباقتراب الدين من الحدّ الأقصى المسموح وهو 60 % من الناتج الوطني الاجمالي، وارتفاع العجز إلى ثلاثة أضعاف الحدّ المسموح وهو 3 % من الناتج الوطني الإجمالي، أصبحنا أمام احتمال العودة مجددا تحت وصاية صندوق النقد الدولي، مع فارق أنه لم يعد لدى الحكومة شركات وأصول تستطيع خصخصتها، ويجب الاعتماد كليا على خفض الإنفاق والتقشف وزيادة الضرائب. وأول من أمس أعلن وزير المالية خطّة "الإصلاح المالي والاقتصادي" للسنوات الثلاث المقبلة، وهي تبدو من جهةٍ برنامج تصحيح تقشفي، ومن جهةٍ أخرى برنامج تحفيز فعلي وفق العنوان الذي اختارته الحكومة.
بالعادة، أمام أي حكومة طريقتان لمواجهة العجز؛ فإمّا زيادة الضرائب والرسوم التي ترفع الأسعار، أو طبع النقود الذي يؤدي الى تخفيض قيمة العملة، وبالنتيجة رفع الأسعار! الاتجاه التقليدي في الاقتصاد يرى الثانية طريقة غير مسؤولة لترحيل الأزمة، والحفاظ على الشعبية مؤقتا، لكن الآثار اللاحقة تكون أسوأ وعلى نطاق أوسع بسبب انفلات التضخم وتدهور الثقة بالاقتصاد.
الحكومة اختارت مقاربة مركبّة، تتضمن إجراءات تقشف ورفع أسعار وتخفيض دعم، إلى جانب حوافز وإعفاءات ودعم بهدف معالجة العجز ودعم النمو وحماية الفئات الشعبية. وبعد الموجة الأولى من خفض الإنفاق الجاري والرأسمالي تواصل تقييد الإنفاق، ثم هناك موجة رفع أسعار منتقاة، وهناك سلسلة إعفاءات تحفيزية منتقاة. هناك رفع دعم عن سلع وتوسيع الدعم للإنتاج والتصدير. وحسب الأرقام التي يقدمها الوزير فإن الخطة يفترض أن تقود إلى رفع النمو بنسبة
0,5 % سنويا ليصل من 4 % العام الحالي إلى 6 % العام 2013. وخفض عجز الموازنة التي هبطت من
%9 العام الماضي إلى 6 % العام الحالي لتصل إلى 3 % العام 2013. ويفترض ان تؤدي خطّة التحفيز لرفع الصادرات الوطنية من انخفاض وصل إلى ناقص 20 % العام الفائت لتصل إلى زائد 10 % العام 2013.
أهداف طموحة وجيدة للخطّة، لكن كما نعلم يخلق الله غدا ما لا تعلمون، فقد تتغير الحكومة، وقد تتغير اتجاهات التفكير، وقد تقع مستجدات في الاقتصاد العالمي والوضع الإقليمي وتتعدل الأولويات. والمهم أن لدينا في المدى المنظور موجة رفع تشمل أسعار البنزين والسجائر والمشروبات الكحولية والجمارك على البنّ وعلى الهواتف الخلوية.
على جانب آخر لفتت الانتباه، إلى جانب الاجراءات التحفيزية الأخرى، خطوة جريئة وغير مسبوقة في المجال العقاري، بتخفيض الرسوم على تسجيل وبيع الأراضي من 10 % الى 5 %. وما دامت الحكومة قد فتحت هذا الباب، سأعود لمناقشة بديل آخر اقترحته ذات يوم. والخطّة عموما تستحق أن نسمع حولها مداخلات معمقة من كل المختصّين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة