التفاوت في الدخل العالمي بدأ يتجه إلى الاستقرار ولكنه يتزايد داخل الدولة الواحدة
يبدو العالم متجها لمزيد من التقدم والرفاهية والتعليم والصحة، وفي الوقت نفسه تبدي تقارير ودراسات لمؤسسات عالمية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي قلقها من تفشي المرض والفقر والتفاوت الكبير في الدخل بين دول العالم وبين مواطني الدولة الواحدة.
تضاعف عدد سكان العالم بين أوائل القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين ستة أضعاف، واستمر في الوقت نفسه ارتفاع مستوى الدخل، وتحسن مستوى معيشة الناس ومعدل دخل الفرد.
ولكن مشكلة التفاوت في الدخل تؤثر كثيرا على اقتصاديات الدول والاقتصاد العالمي المتداخل؛ لأنها تتصل بمشكلات التوزيع والإنتاج في الاقتصاد، ولم تعد مشكلة الفقر فقط تتعلق بقدرة الإنسان في الحصول على كفايته، ولكن في الإسهام والمشاركة الصحيحة في الاقتصاد العالمي والمحلي، فحراك الاستهلاك والاستيراد والتصدير يؤثر كثيرا على القدرات الاقتصادية للدول والمجتمعات.
يعاني 40% من سكان العالم من الفقر، إذا اعتبرنا أن معدل دولارين يوميا للفرد هو حد الفقر وفق مقاييس الدخل التي يتبناها البنك الدولي، ويعاني 16% من سكان العالم من فقر شديد بمعيار دولار واحد للفرد يوميا، ولكن لو أن الاقتصاد العالمي والدخل يتحرك ويوزع على أساس أن العالم وحدة واحدة وليس على أساس الدول، فإن مساحة الفقر ستتضاءل، ولذلك فإن الغنى والفقر يرتبط كثيرا بدولة الفرد، فقد استفادت بعض الشعوب والمجتمعات من الثورة الصناعية والتقنية، وكثير منها بقي على حاله، أو تحسن قليلا، وربما تراجعت حالته المعيشية والاقتصادية.
أدت النهضة الآسيوية في اليابان وشرق آسيا ثم الصين إلى تحولات مهمة في الخريطة العالمية لتفاوت الدخل، كما أن العولمة والتقنيات بعد الصناعية غيرت من خريطة التفاوت في الدخل لتتحول من كونها بين الدول إلى أنها تفاوت في داخل الدولة نفسها، ولنلاحظ على سبيل المثال أن حركات مناهضة العولمة والمؤسسات الاجتماعية العالمية الداعية للعدالة الاجتماعية والاقتصادية يغلب عليها أنها أوروبية وأميركية، وماتزال مساهمة الدول الآسيوية والأفريقية فيها قليلة.
ولكن قد تضللنا الرؤية السائدة حول العولمة والشركات المتعددة الجنسية ونموها وتعملقها في فهم الظاهرة وأسبابها، فهي أعقد من ردها إلى العولمة التي هي أيضا ظاهرة مركبة تتضمن كثيرا من المكاسب والمخاسر والخير والشر.
فالتفاوت في الدخل العالمي بدأ يتجه إلى الاستقرار وربما الانخفاض، ولكنه يتزايد داخل الدولة الواحدة بين أغنى خمس من السكان وأفقر خمس، وهذه الظاهرة تشمل الدول المتقدمة اقتصاديا وتقينا وتهددها أيضا.
وقد غيرت كثيرا النهضة الآسيوية من خريطة تفاوت الدخل، بل إن آسيا تكاد تكون مفتاح المستقبل، فهي تشهد نهضة اقتصادية وثقافية، وتعطيها القوة السكانية زخما ومزايا تجعلها أكثر تفوقا، وأكثر فرصا في المستقبل.
وربما تكون العولمة ساهمت في التكامل الاقتصادي وتخفيف حدة التفاوت بين دول العالم، ولكن من المؤكد أن التفاوت في الدخل بدأ في مرحلة سابقة قبل فترة طويلة، وتواصل في المراحل التي انكمشت فيها العولمة، وبدأت العولمة موجة جديدة صاعدة في ثمانينيات القرن العشرين، ولم يصحب هذه الموجة صعود مماثل في تفاوت الدخل.
وصاحب موجة المعلوماتية افتراضات ومبالغات ماتزال قيد الفحص والإنشاء حول التحول من الزراعة والصناعة إلى الاقتصاد الجديد، ونتذكر قبل سنوات قليلة كيف انهارت استثمارات هائلة في الإنترنت بسبب المبالغة في التوقعات حول التحولات الاقتصادية التي ستجري في العالم بسبب الإنترنت، وهذا بالطبع لا ينفي التحولات والتي حدث بعضها بالفعل، والواقع أن قسما كبيرا من التحولات في الاقتصاد والأسعار والاعتماد المتبادل بين الدول مردها إلى النهضة الصناعية في الصين وآسيا أكثر من مردها إلى الكمبيوتر والاتصالات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد