خضعت قبل يومين على مدى نصف ساعة على الأقل لاستطلاع رأي عبر التلفون، تقول الصبية التي كانت تسألني إنه لصالح مؤسستين إعلاميتين ودراسيتين تحملان اسما كبيرا ومهما جدا برغم أني لم اسمع عنهما من قبل، وهذا خطأي أنا بالطبع ومشكلتي أيضا، فلا يعني ذلك انتقاصا من شأنهما.
ويمكن أن يؤدي الصراف الآلي أو البنك الناطق استطلاعا بنفس الكفاءة، وهذه ليست مشكلة الاستطلاع فقط، وإن كان يجب أن يؤديه مساعدو باحثين إن لم يكن الباحثون أنفسهم ويملكون القدرة على توضيح الأسئلة والنقاش والحوار مع المستطلع رأيه.
المشكلة الأساسية في الاستطلاع أنه لا يمكن أن يقيس شيئا ولا يمكن تصور النتائج التي سيصل إليها إلا إذا توصل إلى نتائج من قبيل أن الشمس تشرق من الشرق وأن النهار يعقب الليل، وأن الماء ضروري للإنسان ليعيش، ماهي النتائج التي سيتوصل إليها مركز الدراسات وشريكه الذي نسيت اسمه للأسف الشديد من أسئلة من قبيل، هل تعتقد أن التدريب ضروري للصحافيين بدرجة كبيرة أو متوسطة أو شديدة (يمكن شي زي هيك، لست متأكدا الآن). أظن أنا أن التدريب ضروري بدرجة شديدة وليس كبيرة. وهل إذا قال أغلب الصحافيين إن التدريب غير ضروري سيتوصل المعهد المتخصص بالدراسات الاستراتيجية ومسائل اخرى (ليس مركز الجامعة الأردنية المعروف) أنه من الأفضل إلغاؤه!
وإذا قيست النتائج بمتغيرات أخرى مثل كون الصحافي متزوجا او أعزب، فسوف نعرف أن الصحافيين المتزوجين يعتقدون بضرورة التدريب بدرجة شديدة وان الصحافيين العزاب يعتقدون بضرورة التدريب بدرجة كبيرة، وهكذا فقد أجبت على مائة سؤال (ربما) لمعرفة درجة أهمية مجموعة من المسائل للصحافي، مثل التحقيق الصحافي واللغة الأجنبية والاستقصاء والتصوير والتدريب واللغة العربية (يعني من الممكن أن يتوصل المركز إلى عدم ضرورة المعرفة باللغة للصحافة).
ماذا يمكن أن يقيس استطلاع رأي مثل هذا؟ وما هي النتائج التي سيتوصل إليها؟ وبماذا ستفيد في التخطيط والتطوير للإعلام في الأردن؟ سيتبين بالتأكيد أن التدريب ضروري للصحافيين، وان التحقيق الصحافي مهم أيضا، وأن الصحافة الاستقصائية مهمة جدا، وأن إتقان اللغة العربية ضروري للعمل الصحافي، وان اللغة الأجنبية لا بد أن تساعد الصحافي في عمله (أو على الأقل لن تضره بشيء).
وسيلاحظ الباحثون أيضا أن الصحافيين المتزوجين والعزاب يميلون بنفس الدرجة (تقريبا) في اتجاهاتهم نحو التدريب والتحقيق الصحافي، وأن الصحافيين ذكورا وإناثا أيضا سيكونون متقاربين بالدرجة نفسها تجاه القضايا السالفة الذكر، وهكذا فإن نقابة الصحفيين أو وزارة الإعلام أو الجهة التي تفكر للإعلام في البلد سوف تتأكد أنه لا يشكل فرقا في اتجاه الصحافيين نحو أهمية التحقيق الصحافي والاستقصاء والتدريب كونهم متزوجين او عزابا او ذكورا أو إناثا، حتى بمعاودة دراسة الصدقية في الاستطلاع وبتطبيق مقياس فراونباوخ فسوف تتأكد النتائج بأهمية التدريب الصحافي وعدم وجود تأثير لعامل الحالة الاجتماعية أو الجنس (ذكر أو أنثى) في الاتجاه نحو أهمية التدريب وتعلم اللغات والمهارات الصحافية.
نأمل بعد انتهاء هذا الاستطلاع أن تجري المؤسسات البحثية والإحصائية والتخطيطية والاستراتيجية في البلاد مجموعة أخرى من الاستطلاعات لا بد أن المؤسسات الرسمية الخاصة والمجتمعية ستفيد منها في المستقبل، مثلا استطلاع رأي للمواطنين (يمكن أن يفيد في مرحلة تطبيق الأقاليم) عن المسافات بين المدن، هل تعتقد أن المسافة بين عمان وإربد هي مائة كيلو متر، وستكون للإجابات نعم بدرجة كبيرة، أو شديدة أو قليلة تأثيرات حاسمة للتخطيط والتنمية وبخاصة مع دراسة علاقة الإجابات بالحالة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي والتعليمي.
هل لدينا فائض في الأموال المخصصة للدراسات والاستطلاعات؟ هل لدينا مشكلة ندرة في الموضوعات التي تحتاج إلى استطلاع رأي؟ أم أن القصة لها علاقة بتقرير الغد في الأمس عن مليون حالة مرض نفسي في البلد؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد