نشرت "الغد" تقريرين على الأقل للزميل موفق كمال عن تهم بحيازة المخدرات أو التطاول على جلالة الملك، ثم يتبين لمحكمة أمن الدولة أنها مفبركة وكيدية، ولكن ذلك يجري عادة بعد تعرض الضحية للإساءة والاعتقال والتحقيق والتشهير.
أتذكر أني رأيت مرة في محكمة أمن الدولة عاملا وافدا يبكي بحرقة عندما صدر الحكم بتبرئته، ولكن المسكين كان قد دفع ثمنا غاليا من حريته ومصالحه لا يقل (ربما) عن إدانته. والمشكلة لا تتوقف عند تعطيل مصالح الأفراد والإساءة إليهم، ولكنها أيضا تعطل المحاكم وترهقها.
النظر في القضايا والتحقيق والدفاع يشكل عمليات طويلة تكلف الخزينة وموارد الدولة، وتؤخر المحكمة عن قضايا أخرى أكثر أهمية وضرورة، ويبدو لي أن توقف نتائج القضية على الحق الشخصي فقط يضر بالمصالح والحقوق العامة. وربما لو كان ثمة حق عام أو صلاحية للادعاء العام ليحرك قضايا تجاه جرائم الكيد والافتراء فإن ذلك يشكل رادعا أكبر يجعل من يفكر بمثل هذه الجرائم يحسب حساب النتائج المترتبة، لأن المصالحات والتسويات الشخصية التي تجري تجعل المفترين في أحيان كثيرة ينجون بفعلتهم من العواقب، وبالطبع فإن ذلك قد يؤدي أيضا إلى سلبيات ومشاكل أخرى تجعل المواطن مترددا في الشكوى والإبلاغ عن جرائم مخافة الوقوع في العواقب، ولكنا بحاجة للتفكير في المسألة وتسليط الضوء عليها على الأقل في وسائل الإعلام وأدوات الرأي العام.
يجب النظر بخطورة وجدية إلى الجرائم التي تختص بها محكمة أمن الدولة لأن أضرارها وعواقبها وخيمة، ولكنا نحتاج إلى أنظمة وتشريعات وسياسات تردع الذين يتسللون عبر الثغرات التنظيمية والتشريعية ويسيئون إلى القضايا الكبرى ويعبثون بها، ولا يجوز أن ندعو إلى التهاون والتقليل من هذه الجرائم، ولكن يجب أن نلاحظ أن التشدد دائما يؤدي إلى ثغرات وفساد، ويكاد يكون ذلك لأزمة ترافق التشدد.
وربما يكون الأداء الإعلامي والمجتمعي من الحلول أو من الأدوات التي تساعد على مواجهة الظاهرة، ولكن ذلك ينطوي أيضا على مغامرة لأنها قضية حساسة تتعلق بالمحاكم والقضاء ورموز الوطن. ولا شك أن تقارير الزميل موفق في هذا المجال إنجاز يحسب له شخصيا وللأمن العام الذي يوفر للصحافيين مثل هذه المعلومات ولـ"الغد" والصحف التي تنشر مثل هذه القضايا، ويجب أن يشعر الصحافيون بالطمأنينة وهم يتناولون مثل هذه القضايا حتى لو حدثت بعض الأخطاء، فحسن النية يشفع للأخطاء الممكن تصحيحها أو تجاوزها.
والواقع أنه يلاحظ أن ثمة انفتاحا مشجعا للأمن العام على الصحافة، وهذا يسهل على الصحافيين والكتاب تناول قضايا المحاكم والجرائم، ويساعد أيضا في مواجهة الإشاعات والإثارة، لأن التكتم يفسح المجال دائما للإشاعات والتفسيرات الخيالية والفضول المريض، فكما أن الفساد يرافق التشدد، فإن الإشاعة ترافق التكتم، وهي على أية حال توافيق صعبة بين المتناقضات تحتاج إلى توازن واعتدال وتسامح، وجرأة أيضا في تناول القضايا والأحداث.
يسهل بالطبع على الكتاب والصحافيين أن يختاروا قضايا وأحداثا تبعد وجع الرأس، وفي قضايا الانتخابات الإسرائيلية وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية مجال واسع للكتابة والتقارير والتحليلات المضمونة، ولكنا بذلك نجعل الجرح يندمل على قيح والتهاب، ونؤجل المشاكل ونهرب من حلولها.
ربما تكون الصحافة هي أفضل الحلول لتحقيق التوازن والرقابة، وأتوقع أن عددا كبيرا من الصحف والكتاب والصحافيين يمكن أن يتعاونوا في مصالح المجتمع وأهدافه إذا توافرت لهم المعلومات والحماية المعقولة، فنحن بذلك نحمي كثيرا من الحقوق ونساعد المحاكم والأمن العام في مهماته وأهدافه، ونحمي المجتمع أيضا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد