في نهاية اجتماع موسع مع الإعلاميين وهو يستعد للمغادرة التفت جلالة المرحوم الملك الحسين إلى مدير المطبوعات والنشر في حينها الأستاذ بلال التلّ وقال: بالمناسبة هذا موضوع الرقابة المسبقة على المطبوعات والكتب التي تدخل الأردن خلصونا منه. قال ذلك بمبادرة منه ومن دون أن يكون الموضوع قد طرح في الاجتماع، وإن كانت الصحف والتعليقات قد أثارت ضجّة في حينه على بعض عمليات المنع.
هذا على ما أذكر هو تاريخ نهاية الرقابة المسبقة على الصحف والمجلات والكتب التي تأتي من الخارج. كان ذلك قبل انتشار الأقراص المدمجة التي يمكن من خلالها إدخال مئات الألوف من المواد التي يستحيل مدّ الرقابة عليها ثم الإنترنت والإعلام الإلكتروني، حيث يمكن بثّ كل شيء إضافة إلى تحميل الكتب على الشبكة وشرائها من مصادرها.
وعندما يقول مدير المطبوعات والنشر الأستاذ عبدالله أبو رمّان "إن عصر الرقابة على الكتب أصبح وراء ظهورنا"، فهو لا يتحدث فقط عن سياسة معتمدة، بل عن واقع يجعل فكرة الرقابة المسبقة وكأنها من مخلفات الزمن العثماني.
دائرة المطبوعات الآن لا تجيز إدخال الكتب أو طباعتها، والناشر يودع فقط نسخا من الكتاب لدى الدائرة ويذهب إلى دائرة المكتبة الوطنية لتسجيلها حماية للملكية الفكرية، ومنع كتاب محلي أو خارجي منوط بالقضاء، لكن القانون ألزم الدائرة بمخاطبة القضاء لاستصدار قرار بمنع إدخال كتاب أو مصادرة كتاب مطبوع محليا وفق المادتين 31 (أ، ب) والمادة 35 (أ) إذا كان فيه ما يسيء إلى الأنبياء أو الأديان أو كرامة الأفراد وفق المادة 38.
وبهذا تمّ تحميل الدائرة مسؤولية رقابية في الواقع عن طباعة ونشر أو إدخال كتب ومطبوعات، إذ إن عليها أن تتصرف إذا افترضت أن المادّة تحوي ما يعاقب عليه القانون، لكن من هو الموظف الذي يستطيع أن يحكم على مادة أدبية؟ هذه مسألة ثقافية عويصة؛ فمن عقلية إلى أخرى يختلف التقييم وسع المسافة بين السماء والأرض؟ ربما من أجل ذلك اقترح أبو رمّان إحالة الأمر إلى هيئة ثقافية مثل رابطة الكتّاب بدلا من أن يقرر بشأنها موظف في المطبوعات، لكن الرابطة لم تقبل المقترح، لأنها لا تريد أن تكون مسؤولة عن مبدأ المنع من أساسه.
الدائرة تجد نفسها متورطة في وضع صعب خصوصا حين يتعلق الأمر بالثقافة. فنسبة هائلة من كتب التراث ابتداء من ألف ليلة وليلة ستكون بمعايير البعض كتبا إباحية ينبغي حرقها، وعقلية ضيقة ومتعصبة سترى في بيت شعر يحتوي استعارات دينية تجاوزا خطيرا على العقيدة، كما حصل مع شعراء محليين.
كانت دائرة المطبوعات في الماضي محل حملات شرسة بسبب دورها كرقيب سياسي يخفض سقف حرية التعبير، وهي الآن بصورة مقلوبة تماما تحت سيف الترهيب من الأوساط الأكثر تشددا وتزمتا، والكثير من دعاوى المنع والمصادرة على حرية الثقافة لا تعني سوى توجيه رسالة معادية لثقافة التحرر، فالكتاب الذي يصادر وهو لا يبيع مائة نسخة تنزل مقابله بنفس المضمون على النت مواد لا يمكن منعها تصل إلى الملايين.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة