دخول الفتوى إلى عالم الأعمال والتجارة، أو خصخصة الفتوى سيؤدي إلى حالة ومتوالية جديدة قد تبدو عند الحديث عنها الآن نوعا من السخرية، ولكنها واقعية، ولنلاحظ على سبيل المثال كيف أن إلحاق الفتوى بالحكومات حولها إلى أداة سلطة وهيمنة سياسية، وكيف أدى تحول مؤسسة الفتوى إلى سلطة "ولاية الفقيه" وإلى إنشاء حالة سياسية واجتماعية ونوع جديد من السلطة والهيمنة، والفساد أيضا، وعندما وصلت تيارات إسلاموية إلى السلطة كانت تلجأ إلى التشدد الديني للتغطية على الفشل السياسي.
ولنتخيل كيف ستؤول "اقتصاديات الفتاوى" إذا واصلت مسيرها عبر بنوك وشركات وموظفين في شركات ومستشارين (موظفين)، المسألة لن تقف فقط عند لي أعناق النصوص واستنطاقها (ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله) على النحو الذي يخدم رأس المال والتجار ومصالح القطاع الخاص، ولن تقف أيضا عند توظيف الشريعة ونوازع التدين والثقة بالعلماء في الاستثمار وتحقيق الربح والدعاية التجارية والتسويق والتنافس التجاري.
فبعد فترة من الزمن عندما تتكرس وتنشأ أعمال تجارية لأغراض الفتاوى وشركات خاصة بهذا العمل النبيل، يمكن أن نتخيل بنكا ينشر إعلان مناقصة بين الشركات "الشرعية" والعلماء لتوريد فتاوى واستشارات شرعية، أو طرح عطاء فتوى للشركات على مختلف قطاعاتها، مثل شركة عقارات تحتاج إلى فتوى لطرد (سيكون التعبير في الإعلان "إخلاء") السكان من غير إنذار أو تعويض، أو مضاعفة الإيجار، وعلى شركات الاستشارات الشرعية المؤهلة تقديم عروضها في موعد أقصاه ..، شركة أخرى تطرح عطاء لأجل فتوى تحرم التعويض عن الإصابات في أثناء العمل (فالشركة ليست ضد القضاء والقدر، ولا تعلم الغيب). إعلانات لعلماء وفقهاء وشركات الفقه والفتوى عن استعدادها لتأمين الطلبات من الفتاوى بالأحجام والمقاييس والطلبات كافة، بالجملة والمفرق، وبأسعار تنافسية، أو إعلان من قبيل ادفع ثمن الفتوى الأولى والثانية مجانا، أو إعلانات سحب للمشاركين والزبائن، وكل ما زاد الاستفتاء تزداد فرصتك في الحصول على سيارة!
وعندما تشتعل المنافسة بين الشركات وأعمال الفتاوى يمكن أن تلجأ للبيع والتنافس بـ"المحروق"، وقد نجد عقدا للفتاوى والاستشارات الشرعية يمنح شركة ما أو عالما احتكار الفتوى لـ15 سنة أو حتى 110 سنوات، تماما مثل شركة منحت حق إنتاح النفط من الصخر الزيتي، ويقال إن رأس مالها المسجل 200 ألف يورو فقط (الله يطعم كل مشتهي).
ويمكن أن نرى فتاوى "مهربة" أو تباع في السوق السوداء، وأخرى معفاة من الضرائب، أو تباع في السوق الحرة، وقد تدخل الصين والهند على السوق فتوفران فتاوى واستشارات بتكاليف أقل، ويمكن أن تنشأ علامات تجارية مسجلة للفتاوى، وفتاوى واستشارات أصلية وأخرى مقلدة، وصناعات صينية وتايوانية ويابانية وألمانية، "دق ألماني".

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد