الأرقام ليست جديدة، لكن وضعها في سياق تحليل مقارن مع بلدان أخرى يبين ملامح القصّة، قصّة الفشل الاقتصادي- الاجتماعي لحكومات الأردن المتعاقبة.
نحن أقلّ الشعوب العربية انخراطا في العمل. كل شخص عامل ينفق على 5-6 من غير العاملين. لدينا أقلّ نسبة من الإناث يعملن ولدينا أعلى نسبة من الشباب غير العاملين، وفوق ذلك لدينا أعلى معدلات إنجاب بين العرب؟!
وبالأرقام، نسبة المشتغلين من الأشخاص في سنّ العمل هي 33 %، وهي أدنى من متوسط النسبة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومعظم الدول الأجنبية. ويطيح بالمعدل الأردني تدني نسبة النساء العاملات فهي 12 % من النساء في سنّ العمل مقابل 39 % في سورية مثلا 
و 29 % في المغرب. ونسبة الرجال في الأردن هي 64 % مقابل 89 % في سورية و84 % في المغرب.
من أصل 6 ملايين مواطن، هناك 3 ملايين في سنّ العمل، ومليون مواطن فقط يعملون، يقابلهم 420 ألف عامل وافد، وهؤلاء يساوون ضعف عدد الأردنيين الباحثين عن عمل، مع أن المجموعتين متشابهتان في الأعمار والتأهيل العلمي. باستثناء دول النفط، لا مثيل لهذا التشوه. وبهذه الأرقام يفترض أن يكون مستوى معيشة الأردنيين أدنى مما هو فعلا وفي أسفل السلم العالمي لولا تحويلات المغتربين والمساعدات.
هذه الأرقام تدل ببساطة على فشل الحكومات التي تضع الخطط والبرامج، لكنها تمارس الإدارة بما تيسر يوما بيوم، وتستجيب للضغوط الاجتماعية والمصالح المتضاربة، وتنقلب على ما تضعه هي أو يضعه غيرها من رؤى وتصورات.
ويجب أن نقول للمسؤولين الآن، إن لدينا أداة قياس مختلفة للنجاح في قيادة البلد، وأداة القياس هي نسبة الأردنيين الإناث والذكور المنخرطين في سوق العمل. وقد لا يبدو هذا عادلا للحكومة، لكن لا يجوز أن نستمر بدفن الرؤوس في الرمال.
العمل هو مصدر الثروة والرفاه، وما قيمة كل القوانين والخطط والإجراءات إذا لم تكن النتيجة النهائية زيادة العمل وقيمة العمل وإنتاجية المجتمع. كل حكومة تقدم الأرقام بطريقة إيجابية تناسبها، وهي قد تكون صحيحة لكنها تمثل وجها أو آخر من الحقيقة، وتخفي أوجها، ولننظر في الحقيقة الصادمة بأن نصف فرص العمل التي يوفرها السوق كل عام تذهب لغير الأردنيين، وحقيقة أن النمو الذي تحقق بمتوسط 6 % لبضع سنوات لم ينجح في خفض أرقام البطالة، وأن عدد الناس تحت خط الفقر قد ازداد. ومقابل نجاح برامج مكافحة الفقر في إطفاء بعض الجيوب، ولد 3 أضعافها في مناطق أخرى.
المسألة ذات أبعاد متشابكة، ومنها الثقافة والسلوك الاجتماعي. العمالة في الزراعة والانشاءات وبعض الخدمات تقتصر على الوافدين، وفشلت الحكومات المتعاقبة في التغلب على هذا الواقع. الشرائح الأكثر فقرا تنجب أكثر وليس هناك أي اجراءات رادعة سوى حملات التوعية الرفيقة بـ"المباعدة بين الأحمال".
بعد اللقاء الأخير الذي عرض فيه د. عمر الرزاز مشروع الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، قرأنا خبر تكليفه المسؤولية عن هذا الملف، وهذا خبر طيب ويجب أن يخلق بيئة مؤسسية تكاملية للمشروع، يشترك فيها مجلس النواب والمجلس الاقتصادي الاجتماعي وهيئات أخرى، والاستراتيجية الوطنية ستنجح اذا ترجمت إلى برامج وخطط ملزمة وعابرة للحكومات.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   جميل النمري  صحافة