لآراميون "أسلافنا" هم أول من استوطن هذه المنطقة "الهلال الخصيب" بعد هجرتهم في موجات بشرية من الجزيرة العربية، ربما بسبب التصحر الذي أصاب الجزيرة، ولعلها قصة هلاك ثمود وعاد، ومن المعلوم أن ثمة بلدة في جرش اسمها "مقام النبي هود"وربما يؤشر ذلك على هجرة من نجا من الهلاك إلى هذه المنطقة، وبدأ الآراميون منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد ينشئون حضارات وممالك مدينية، مثل عمون، ومؤاب، وأدوم، ورحاب (راحوب) تحدثت عنها التوراة طويلا في سياق عرض الحروب والصراعات بين مملكة إسرائيل الناشئة بدءا بطالوت وداود ثم سليمان وبين الآراميين.
تميز الآراميون بإنشاء حضارة قائمة على الزراعة وللمرة الأولى في تاريخ البشرية المعروف على التجارة والمعرفة، فقد أداروا التجارة العالمية عبر البر (الآراميون) والبحر (الفينيقيون) وطوروا الكتابة التي أفادت في بناء وإدارة الدول والأعمال التجارية، ثم أنشأت الآداب والفلسفة والثقافة والفنون.
تطلق التسمية الآرامية أحيانا على أحد الشعوب السامية، وفي كثير من الأحيان تمتد التسمية لتشمل جميع أشقائهم (الكنعانيون والفينيقون والفلسطينيون والكلدانيون والسريان) ربما بسبب غلبة اللغة الآرامية على المنطقة التي تحولت إلى لغة عالمية لأكثر من ألف ومائتي سنة، حتى شملت شعوبا ومناطق أخرى مثل الآشوريين وآسيا الصغرى، مثل إطلاق تسمية العرب على الشعوب التي استخدمت اللغة العربية.
وللآراميين فضل كبير على العالم والحضارة الإنسانية مستمد من أنهم كانوا الفئة الوحيدة المؤمنة على وجه الارض لحوالي ثلاثمائة سنة أو تزيد، فقد اتبعوا المسيح عليه السلام وأقاموا أول مملكة مسيحية سريانية في الرها (أورفا) وكان هذا الإيمان في غالب الأحيان يعني الموت والحرق، وربما يفسر ذلك انتشار المسيحية بين القبائل العربية على أطراف بادية الشام بسبب هجرة واختفاء كثير من الرهبان والمؤمنين في الصحراء هربا من البطش البيزنطي، والفضل الثاني للآراميين على العالم أنهم كانوا رواد النهضة المعرفية باعتنائهم بالفلسفة والعلم والطب مبكرا، ثم نقلهم هذه المعارف والعلوم إلى اللغة العربية واستيعابهم للفلسفة والمعارف اليونانية وترجمتها إلى العربية، وقد كانت لهم مدارس مهمة ورائدة قبل الإسلام، وبعد الإسلام استقبلت هذه المدارس أعدادا كبيرة من أبناء العرب والمسلمين قبل أن ينشئ المسلمون مدارسهم ومكتباتهم والتي كان للآراميين دور ريادي في تأسيسها وتسييرها.
ربما ما يهمنا اليوم في النموذج الحضاري الآرامي هو صلاحية هذا التراث للنهضة والتنمية في العصر الحاضر، ففي مرحلة اقتصاد المعرفة ومجتمعاتها نلاحظ أن الآراميين يعبرون عن نموذج مثالي لهذه المجتمعات والاقتصاديات، وبالمناسبة فإن التراث الآرامي مايزال حاضرا بقوة لدينا وإن كنا لا نسميه آراميا أو لا ندركه على وجه التحديد.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم غرايبة جريدة الغد