نشأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أواخر الأربعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تعبيرا عن تحالف أوروبي أميركي، وبانتهاء الحرب الباردة وجد نفسه في مواجهة حالة من الفراغ والسؤال عن جدوى ومعنى بقائه واستمراره، ولكنه بدأ العمل في مهمات جديدة تحت هدف الحفاظ على الديمقراطية والسلام في الدول الأعضاء، ووجد لنفسه دورا مهما في تسوية الصراع الذي جرى في البلقان بعد تفكك يوغسلافيا، ثم انخرط في أعمال الشراكة والتعاون مع روسيا وأوكرانيا ومواجهة "الإرهاب". وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان للحلف دور أساسي في الحرب الدائرة في أفغانستان.
وكما كان الدور الجديد للحلف غامضا فقد كانت العقيدة الاستراتيجية الجديدة للحلف غامضة وحائرة أيضا، ولكن ثمة تبرير لهذه الحيرة بأن المخاطر الجديدة نفسها غامضة وغير متوقعة، من المؤكد أن ثمة إرهابا وأسلحة دمار شامل وجريمة منظمة يمكن أن يشتغل بها الحلف أو تبرر بقاءه واستمراره، ولكنها حروب لا تحتاج إلى جيوش وأسلحة تقليدية على النحو الذي استقرت عليه عمليات الجيوش وخطط الحلف طوال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
ولذلك فإن الحلف يركز منذ أواخر التسعينيات على الحوار والشراكة مع دول أخرى من خارج الحلف، فكانت مبادرات مثل "الحوار المتوسطي" والشراكة الأوروبية المتوسطية، وإقامة مراكز للعمل في مجال أسلحة الدمار الشامل، بل وامتد التعاون والحوار إلى منظمات مثل "الصحة العالمية".
ليس هناك من يعتقد أو يصدق أن هجوما عسكريا سيقع على دول الناتو، ومن ثم فإن أخطار عدم الاستقرار المتوقعة لن تحتاج إلى جيوش وأسلحة تقليدية وتقنيات عسكرية متقدمة، وحتى العقيدة العسكرية نفسها التي كانت قائمة على مواجهة مخاطر الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو والشيوعية لم تعد مبررة، فكيف يعمل الناتو في المرحلة الجديدة؟
بدأ الناتو في مشروع للحوار مع دول "الضفة الأخرى" من المتوسط، وتشارك في هذا المشروع سبع دول، الأردن وإسرائيل ومصر وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، ويهدف المشروع إلى تعزيز السلام والاستقرار وتحسين التفاهم المتبادل والعلاقات في حوض المتوسط وتنشيط الحوار وحضور مساقات دراسية في كليات الناتو المتخصصة في روما وأوبرميرغو في ألمانيا. وطور الحلف علاقاته وتعاونه مع روسيا وأوكرانيا لأجل ترتيب السلام والاستقرار في أوروبا والبلقان خاصة، وبدأت تنضم للناتو دول أوروبا الشرقية الشيوعية سابقا والتي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي ضمن حلف وارسو، بولندا والمجر وتشيكيا وبلغاريا ولاتفيا وأستونيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا، وعلى هذا فقد تمدد الحلف في اتجاه الشرق متجاوزا حدوده السابقة بحوالي ألف كيلومتر، ويساعد الحلف هذه الدول على تكييف جيوشها مع مرحلة ديمقراطية وسياسية جديدة غير مألوفة، وربما يعني ذلك بعبارة أخرى تخفيض قواتها العسكرية وإعادة توجيه النفقات والموارد.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ابراهيم غرايبة   جريدة الغد