بحسب الخبر سيتمّ تحويل سجن الجفر الصحراوي الشهير إلى مخيم أو معسكر أو قرية شبابية. هذا المكان القاحل الموحش يمكن أن يتحول إلى واحة في قلب الصحراء تعجّ بالحياة والأنشطة، ويمكن أن يكون قاعدة لأنشطة بحثية واستكشافية صحراوية فوق المقترح المقرر له كقرية شبابية.
منذ فترة، لم يعد المكان سجنا، وسبق ان سمعنا عن أفكار بتحويل الموقع ذي السمعة الرهيبة إلى مركز لأبحاث حقوق الإنسان، أو شيء ما من هذا القبيل، يحمل أبعادا ثقافية إنسانية رمزية كبيرة عن التحول في حياة البلد، وهي طريقة جيدة لوضع الرمز في سياق تاريخي وتصالحي مقبول يعكس تعاقب الحقبات وتحولاتها بحلوها ومرّها.
آخر علم لي بالمكان أواخر العام 1987، وهو قد يكون أخضر الآن، اذ يكفي وجود ماء ورعاية ليمتلئ بأشجار باسقة. ويد الانسان تستطيع أن تعمل كل شيء، وسأروي حادثة عن كيف تحولت باحات السجن إلى بساط أخضر من عشب النجيل.
كان السجن مهجورا من سنين عندما تقرر فتحه من جديد عام 1986 للسجناء السياسيين الذين قاموا بإضراب في سجن المحطّة، وكنت واحدا منهم. وما أزعج إدارة السجن كثيرا أن السياسيين حاولوا إشراك المدنيين وأخذوا يمرون على المهاجع يحرضونهم على المشاركة في الإضراب، فتقرر عزلهم في المنفى الصحراوي.
وعندما وصلنا هناك، كانت قد تمّت صيانة المهاجع المهجورة وإعادة تأهيلها لاستقبال الضيوف الجدد، وكان هناك اربعة مهاجع كل واحد منها معزول عن الاخر تحيط به أسوار عالية، وكان المكان موحشا للغاية وليس فيه عِرق اخضر واحد.
وبعد أيام من الوصول بدأ السماح لنا بالخروج الى باحة المهجع، وكان السير صعبا فوق الرمال الناعمة. جلس أحد الشباب فوق الرمل وأخذ يزيح به حتى وصل تحت شبرين وأكثر الى الأرض الصلبة فحفر قليلا فعثر على جذر يابس أخذ يسقيه على مدار أيام، ونحن نتندر على محاولته البائسة بثّ الحياة في العرق الميت، ثم كانت المفاجأة المذهلة عندما بدأ يبزغ برعم أخضر ابتهجنا به واحتفلنا، وكل بضعة أيام كان يتم قطع شيء منه وزرعه في مكان آخر، وخلال شهر كان بساط أخضر يفترش كل المحيط. وقامت المهاجع الأخرى بشيء مماثل ثم بدأت زراعة أشتال البندورة والخضار وحتّى الورود. وبدأت تطيب الجلسات في الظلّ بافتراش العشب الأخضر وعمل مباريات الشطرنج وطاولة الزهر، وثمّة ذكريات كثيرة جميلة تقول كيف يمكن للإنسان أن يجترح الحياة والجمال من العدم.
من الجميل التفكير أن تلك المهاجع يمكن أن تتحول إلى منامات شبابية، ويمكن تطوير بقية المرافق لخدمة المشروع، ويمكن ببساطة أن يتحول المكان الى واحة جميلة وسط الصحراء. وللمجلس الأعلى معسكرات شبابية عدّة في مناطق جبلية وريفية، وليس خطأ ان يكون هناك أيضا معسكر شبابي في منطقة صحراوية نائية. وأكاد اقترح أن يكون هناك مرفق هناك مخصص لذاكرة المكان وتوثيق تجربة أجيال من السياسيين هناك وخصوصا مرحلة الخمسينيات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جريدة الغد جميل النمري صحافة